القاهرة: الخليج في مارس/آذار من العام الماضي، دخل قصر محمود خليل إلى قائمة الآثار المصرية بعد أن مر على بنائه مئة عام، ليضيف هذا العمر قيمة أخرى جديدة إلى ما يضمه القصر المنيف من مقتنيات فنية شديدة الروعة والإبهار. يرجع تاريخ بناء القصر إلى العام 1915، وكان مخصصاً لسكنى أحد أمراء أسرة محمد علي قبل أن يسكنه الفنان المصري الكبير محمود خليل ويحوله إلى متحف تنفيذاً لوصية زوجته الفرنسية إميلين فيكتور في بداية الستينات من القرن الماضي، بعدما تولى رئاسة مجلس الشيوخ في الأربعينات، ومن بعدها حقيبة وزارة الزراعة في حكومة الوفد. ولد محمود خليل في 1877 لعائلة ثرية، ودرس الزراعة، لكنه سافر إلى فرنسا لدراسة القانون بجامعة السوربون، وهناك تعرف إلى إميلين فيكتور وكانت فتاة فرنسية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتدرس الموسيقى، فأحبها وتزوجها في العام 1901. ويقول كثير من متابعي سيرة الفنان الكبير إن فيكتور لعبت دوراً كبيراً في تشكيل ذائقته الفنية، إذ تعرف عن طريقها إلى روائع الأعمال الفنية، قبل أن يتحول إلى هواية اقتناء بعضها وينفق عليها بسخاء شديد. اضطلع محمود خليل بدور مهم في الحياة الثقافية، وبذل جهداً كبيراً في رعاية الحركة التشكيلية من خلال رئاسته جمعية محبي الفنون التي اشترك في تأسيسها في 1924، ثم لعب دوراً مشهوداً في عملية التبادل الثقافي بين مصر وفرنسا خلال النصف الأول من القرن العشرين، وحصل على أرفع الأوسمة والنياشين الفرنسية، وانتخب مراسلاً للأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة في 20 أكتوبر من العام 1948، قبل أن يصبح عضواً فيها. ينظر كثير من الخبراء في مجال الفن التشكيلي في مصر إلى متحف محمود خليل باعتباره أحد أهم المتاحف المتعلقة بالفن في مصر والعالم العربي، إذ يضم مجموعة من أهم الأعمال الفنية التي مهّدت لموجة الاتجاهات الجديدة في الفن التشكيلي، التي ظهرت في أوروبا في بدايات القرن العشرين. وفي المتحف لوحات لنحو 300 فنان مصري وعالمي، من بينها أعمال لمعظم فناني القرن التاسع عشر في أوروبا، فضلاً عن 50 تمثالاً تتراوح بين البرونز والجبس، ولوحة نادرة لرينوار اسمها الفتاة المجهولة، يزيد ثمنها على 80 مليون دولار. ويتكون قصر ومتحف محمود خليل من أربعة مستويات، يمكن التجوال بها عبر سلم رئيسي يصل بين الدورين الأرضي والأول، وسلم فرعي ومصعد يخدم جميع الأدوار. وأصبح بدروم القصر مكتبة، بعد تحويله إلى متحف في العام 1962 وظل على هذه الحال حتى إخلائه في العام 1972 ليلحق بمسكن الرئيس الراحل أنور السادات. في سبتمبر/أيلول 1995 أعيد افتتاح المتحف بعد عملية تطوير شملت المبنى كاملاً. وفي 1994 عرضت وزارة الثقافة المصرية مجموعة مقتنيات متحف محمود خليل في متحف الأوروساي بباريس، وكان العرض بمثابة شهادة دولية تؤكد أصالة هذه المقتنيات التي دار جدل كبير حولها.