المعطف الذي تم تقديمه هدية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المشير عبدالفتاح السيسي أثناء زيارة الأخير إلى موسكو لم يكن في نظري مجرد هدية عبثية بقدر ما كان له أبعاده السياسية في إيحاء من قوة مازالت ترى نفسها بأنها وريث القطب الثاني أمام أمريكا. وكنت في وقت سابق قد أشرت إلى أن عودة المجد القديم ليس أكثر من وهم لرجل المخابرات الأول في موسكو بوتين. وذلك مع بداية ولايته الثانية ووقوفه إلى جانب نظام دمشق الحالي. غير أن المتغيرات الجديدة قد فرضت نوعاً مغايراً لكل التوقعات وذلك بعد الارتباك الأمريكي في المنطقة وكشف أوراق لم تكن في الحسبان أمام كل من كانوا يعتقدون أن البيت الأبيض «فزاعة» الديمقراطيات في العالم وأن قرارها لا يمكن المراهنة على تراجعه. غير أن تطورات الوضع في كل من سوريا ومصر وإخفاق أمريكا في تحقيق أي دور في القضية السورية إضافة إلى دعمها لجماعة الإخوان قد أوصلت في مجملها إلى صالح الخطاب الروسي الذي استثمر ذلك السقوط الأمريكي الفاضح خاصة بعد إعلان أمريكا موقفها من الجيش المصري من خلال إيقاف المساعدات والتلميح بين الوقت والآخر بالاستمرار في دعم قيادات الإخوان المسلمين التي قالت الخارجية الأمريكية قبل يومين بأنها على اتصال بهذه القيادات. مؤكدة في الوقت نفسه رفض واشنطن اعتبار جماعة الإخوان إرهابية طبقاً للإعلان المصري. ومن ثم فإن كل هذه المعطيات عززت من الموقف الروسي تجاه النفوذ في المنطقة والذي لاشك أن استقطاب دولة عربية كبرى مثل مصر سيكون ورقة مهمة لصالح موسكو وهو استقطاب يصب في مجرى الخارطة السياسية التي يريدها بوتين والكرملين معاً. ومنها الحفاظ على بقاء بشار الأسد, إضافة إلى تحقيق مكسب مهم ومحوري يضاف إلى المنظومة التي يكون لها مصالح مشتركة مهمة خاصة في جانبها العسكري.. وأمام المشهد نجد أن ضعف أوباما مقابل قوة بوتين من الناحية السياسية كان وراء اختلاف المسارات وخلط الأوراق في المنطقة. ومن هذه الأوراق وضع عدد من الدول العربية التي كانت تعول على أمريكا من منطلقات متميزة للعلاقات أمام خيارات صعبة لا ترجح كفة الميزان الأمريكي. لتجد واشنطن نفسها اليوم وكأنها قد أصبحت خارج قواعد اللعبة السياسية وإن احتفظت بشيء من قواعدها العسكرية في المنطقة. خاصة بعد أكبر صفقة روسية في تاريخ مصر من ضمنها طائرات حربية تفوق أف 16 وأباتشي الأمريكية إضافة إلى منظومة صواريخ متطورة من أحدث الصناعات الروسية. ومن ثم فإن السباق نحو المعادلة كان قد اقترب من الفشل بعد سقوط منظومة الاتحاد السوفيتي السابق إلاّ أن الإخفاق الأمريكي في عهد أوباما قد فتح (إزار) المعطف الروسي لاستقطاب عدد كبير من دول الشرق الأوسط ذات المكانة والمكان وحجم التأثير.. وما بين المعطف الروسي والأمريكي تتوه خطوات العرب .. بحثاً عن موقد دافئ تلتف حوله كل الأيادي.