دَائِمًا أسأَل نَفسي: لِمَاذَا يَتحدَّث النَّاس بكُلِّ عَفويّة وبَسَاطَة وسَذَاجَة؛ فِي القَضَايَا الأَدبيّة والدِّينيّة، والإعلاميّة والرِّياضيّة، ولَا أَحَد يَجرؤ أَنْ يَتكلَّم عَن الكَهربَاء والفِيزيَاء، ولَا أَحَد يَعبَث بِهمَا؟!.. السَّبَب ببسَاطَة أَنَّ القَضَايا النَّظريّة؛ سَهل فِيهَا التَّنظير والمُشَاركة، وهي قَضَايَا لَا تَحمي نَفسها إذَا عَبَثَ بِهَا أَحَد..! وفي المُقَابل، لَا تَجد أَحدًا يَعبَث بالتَّركيبَات الكِيميائيّة، أو التيَّارَات الكَهربائيّة، إلَّا إذَا كَان مِن المُختصِّين، وهَذه المِهَن تَحمي نَفسها مِن العَابِثين والمُتطفِّلين، فلَو لَعبَ أَحَد بالكَهربَاء، لانتَقَمتْ مِنه شَرِّ انتقَام، ولنَفضَته نَفضًا، يَنقله مِن الحيَاةِ الدُّنيَا إلَى المَوت..! لقَد نَشأتُ في بِيئَة تُقدِّر الكَهربَاء، وتَحترمها، وكَانت أُمِّي «لولوة العجلان» -الله يحفظهَا- تَضع فَاتورة الكهربَاء في دُرج ذَهبهَا الخَاص، حِرصًا مِنهَا عَلى التَّسديد، وكَانت تَقول دَائمًا: (يَا وليدي، خُذ الفَاتورة وسَدِّدهَا، حَتَّى لَا تَنقطع الكَهربَاء عَنّا، وتَفسَد لَحمتي وخُضروَاتي، التي تَقبع في الثَّلَاجَة)..! لقَد كَانت للكَهربَاء في ذَاكرتنَا أَحلَامًا وهمُومًا، فقَد صَاحَبَ دخُولها فَتَاوى وأَسَاطير، وكُنَّا نَخَاف مِنهَا، وبَعد أَنْ تَعَايشنَا مَعهَا، انفَصلَت الكَهربَاء إلَى قِسمَين (110 و220)، والله وَحده يَعلَم كَم جِهَازًا احتَرَق عِندي؛ بسَبَب فَوارِق الخَطّ -أقصد الخَطّ الكَهربَائي، ولَيس الخَطّ الإملَائي- وكُنَّا نَشتري مُحوّل كَهربَاء، يَكون أحيَانًا أغلَى مِن قِيمةِ الجِهَاز، مِن أَجل تَحويل الكَهربَاء مِن خَطّ إلَى خَطّ..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: إنَّ هَذه شجُون وذِكريَات وفنُون؛ وَردَت في ذِهني؛ وأنَا ذَاهِب مَع الزَّميل «عبدالله الركف» -المَسؤول الإعلَامي في شَركة الكَهربَاء- إلَى مَحطّة الشّعيبَة لتَوليد الكَهرباء، جنُوب جُدَّة، تِلك المَحطَّة التي تُصنّف بأنَّها الأكبَر عَلى مُستوَى الشَّرق الأَوسَط، والسَّادِسَة عَشَر عَلَى مُستوَى العَالَم، وانتَظروا أَو لَا تَنتَظروا مَقَال بَعد غَدٍ، الذي سيَكون عَن هَذه المَحطَّة..!!. تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com