بعد حجز تذكرة سفري إلى إيران، قررت أن يكون مقالي - في الخميس الذي يلي عودتي من السفرة - حول التنمية التكنولوجية في الجمهورية الاسلامية. حيث إن هناك العديد من الشواهد على أنها تمر بثورة تكنولوجية وفق خطوات ثابتة وبمنهجية مقاربة لتلك المتبعة في النهضة التكنولوجية المستمرة بل المتسارعة حتى يومنا هذا في الولايات المتحدة الأميركية. فالمحرك الأساس للتقدم التكنولوجي في كلتا الدولتين هو رؤيتهما العسكرية، وإن كانت لتلك الاختراقات التكنولوجية تطبيقات مدنية متعددة. وهذا بالطبع لا ينفي وجود اختراعات أو اكتشافات غير عسكرية لديهما، ولكن ما يخصص لها من أموال أقل بكثير عما يوفر للأبحاث العسكرية. وقد يكون أحدث مثال على الازدهار التكنولوجي لإيران هو تدشينها الاحد الماضي، أول محرك توربيني (نفاث) للطائرات (أوج) ومنظومة صواريخ «بور 373» للدفاع الجوي بعيد المدى اللذين تم انتاجهما محلياً. القصد من عرض التطور التكنولوجي في إيران، كان إيصال رسالة إلى الداخل الكويتي في شأن أهمية التعليم وتحديدا التكنولوجي. صحيح أن هناك أمثلة أخرى لدول آسيوية نهضت من خلال اهتمامها بالتعليم، وهي اليوم أكثر نموا من إيران، كاليابان وكوريا الجنوبية والصين وسنغافورة، إلا أن التجربة الايرانية تكاد تكون الأكثر تحفيزاً لنا بسبب تعدد مشتركاتنا، كالدين والجغرافيا. ولكنني قررت لاحقا أن أغير رسالة المقال لتصبح دعوة للتعلم من السياسة الخارجية الإيرانية. وهذا التحول كان بدافعين: أولهما أهمية التحولات الأخيرة في العلاقات الخارجية التركية وبالأخص علاقتها مع إيران، والثاني لأنني أعتقد بأننا نحن الكويتيين بحاجة إلى ترشيد علاقتنا مع إيران قبل التفكير في الاستفادة من تجاربها التكنولوجية. العلاقات الايرانية - التركية تأثرت سلباً بأحداث ما يعرف بالربيع العربي وتحديدا في سورية. فإيران كانت منذ البداية، وما زالت حتى الآن، تدعم حكومة بشار الأسد، في مقابل الجهود التركية المعلنة وغير المعلنة لإسقاط الحكومة السورية. وعلى الرغم من استمرار الدولتين على طرفي ساحات الاقتتال في سورية لما يزيد على خمس سنوات، إلا أنهما حافظتا على علاقاتهما الثنائية وبالأخص الاقتصادية والتجارية. بل إن الايرانيين بادروا بدعم الحكومة التركية في ليلة الانقلاب! ولو فرضنا جدلاً بأن هذا الموقف الايراني كان نتيجة تفاهمات مسبقة - غير معلنة - مع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في شأن الملف السوري، فهناك الملف الاسرائيلي الذي يشكل مفترقاً آخر بين الدولتين. فالعداء الايراني - الاسرائيلي مزمن، فيما وقع الاتراك مع الاسرائيليين اتفاقا - لإعادة العلاقات - قبل محاولة الانقلاب بأيام. والتقارب الايراني - التركي بازدياد هذه الايام بالرغم من مصادقة البرلمان التركي السبت الماضي على اتفاق تطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل. علينا أن نتعلم من المخضرمين كيف نعزز علاقتنا الاقتصادية والتجارية مع الجميع، وبالأخص الدول الجارة، مهما اشتدت خلافاتنا. علينا أن نعزز مصالحنا المشتركة في شكل متواز مع حرصنا على إنهاء نقاط الخلاف، مع تمسكنا بسيادتنا الوطنية. علينا كدولة أن نتبنى المنهجية التي طرحها في الاسبوع الماضي رئيس مجلس الامة الكويتي - من خلال صحيفة خليجية - في شأن العلاقة بين دول الخليج وإيران، التي أكد فيها أن دول الخليج وإيران شركاء «متساوون»، وأن «من مصلحتنا جميعاً السعي إلى خلق علاقات تعاون». في تقييمي، مجلس الأمة كان ولا يزال من أكبر العوائق أمام تطور العلاقات مع ايران. لأن نوابه في الشأن الإيراني ينقسمون إلى ثلاث مجموعات رئيسة: الأولى تعمل من أجل قطع العلاقات مع إيران، والثانية حريصة على ترشيد العلاقة، في حين أن الثالثة تتجنب المجاهرة بمواقفها في الملفات الإيرانية. الفئة الأولى تتهم إيران بالتدخل بالشأن الداخلي الكويتي والعمل على زعزعة أمنها واستقرارها. وهي تظن بأن قطع العلاقات مع دولة جارة ممكن، بل هو الخيار الوحيد مع إيران. أناشد هذه الفئة الاستفادة من العلاقة الناجعة بين الامارات وإيران من خلال الاطلاع على حجم التبادل التجاري بينهما رغم استمرار أزمة الجزر الثلاث. وفي المقابل نجد أعضاء حريصين على تطوير العلاقات مع ايران وفق مبدأ حسن الجوار. وهؤلاء رفضوا اساءة «وكالة أنباء فارس» الالكترونية الإيرانية لمقام صاحب السمو أمير البلاد ضمن تغطيتها لمؤتمر القمة العربية الأخير. ولكنهم - في مجملهم - لا يعتبرون ترشيد العلاقات مع ايران أولوية برلمانية. وأما نواب الفئة الثالثة، فيجدون حرجاً من المشاركة المباشرة في ترشيد العلاقة مع إيران بسبب انتماءاتهم. فتارة يتهربون عن مسؤولياتهم الدستورية في الملفات الإيرانية، وتارة أخرى يستعينون بنواب من الشرائح المجتمعية الأخرى لإيصال آرائهم تجاه الشؤون الخارجية... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com