تحمل تفاصيل محاولة الانقلاب التي جرت في تركيا في 15 يوليو/تموز تشابهاً مفاجئاً مع حبكة أفلام Star Wars. لو أن هذه الانتفاضة نجحت، لحمل هذا المقال عنوان "انتقام السيث". تصرف فتح الله غولن كنسخة دينية من المستشار بالباتين، شرير السيث في ملحمة حرب النجوم، لما يزيد على عقد من الزمان. في البدء، ادعى بالباتين العمل على حماية الجمهورية، إلى أن أظهر هويته الحقيقية كعدو للجمهورية وقائد للإمبراطورية. ظهر غولن أيضاً مؤيداً للديمقراطية وللنظام الجمهوري وللإسلام المعتدل، وادَّعى مئات الآلاف من أتباعه بأن قناعتهم الدينية دفعتهم للعمل على خدمة الجمهورية التركية وشعبها، كما أصبحوا موظفين في القوات الأمنية والقضاء وأجهزة الاستخبارات والقطاع التعليمي بالإضافة إلى الجيش والإعلام. ومثلما امتلك بالباتين جيشاً من المستنسخين (الذين تطوروا ليصبحوا قوات العاصفة، أو ستورم تروبر، في نهاية المطاف)، ادعى أتباع غولن أنهم جيش هيزميت (Hizmet)، وهي الحركة التي ستحمي الديمقراطية ضد الانقلابات العلمانية والكمالية، والتي ستعمل أيضاً على إثبات التوافق بين الإسلام والعلمانية والحداثة. لكن في الخامس عشر من يوليو، قام أعضاء جيش حركة هيزميت التابعة لغولن بالعكس تماماً عبر محاولتهم تنفيذ انقلاب جرى التخطيط له جيداً، وتضمن التدخل العسكري ضد الديمقراطية التركية وقصف البرلمان، بالإضافة إلى محاولة اغتيال الرئيس التركي المُنتخَب. افترض مدبرو الانقلاب التابعون لغولن، وأمِلوا أيضاً في انضمام أتباع أحزاب المعارضة التركية إلى "جانبهم المظلم"، مدفوعين بغضبهم تجاه أردوغان. تحدث البيان الذي ألقاه مدبرو الانقلاب عن جمهورية علمانية مهددة من قِبل رئيس إسلامي، أملاً في تأجيج الغضب وسط معارضي حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتحويلهم إلى ما يشبه دارث فيدر. لكن ما حدث كان العكس. كيف نَسَّق أتباع غولن استعداداتهم؟ رفضت أحزاب المعارضة التركية، بما فيها أشد المعارضين لأردوغان ولحزب العدالة والتنمية، قبول القوة المظلمة لغولن، بل ورفضت الروايات المحرضة على الانقسام التي أدلى بها أتباعه، كان هذا هو اليوم الذي وصل فيه الأتراك إلى القناعة التامة بتخطيط غولن الفاسد وشموليته الجريئة، والإرهاب المسيحاني لحركة هيزميت. وعلى العكس من الاعتقاد السائد، لم يفتقر الانقلاب للتخطيط الجيد، بل كان هذا الانقلاب هو الأفضل تخطيطاً في تاريخ تركيا الحديث، باعتماده على التنسيق بين أتباع غولن في المجتمع والهيكل الحكومي وعلى الشبكات الاجتماعية، كان أتباع غولن المدنيون على استعداد لمساعدة رفاقهم العسكريين في صباح اليوم التالي لو نجح الانقلاب. من ناحية، تصرف أتباع غولن كخلايا نائمة وسط صفوف الجيش، مستعدين للقتال حين تصل الأوامر مثلما فعل العملاء سميث في فيلم الماتريكس. ومن ناحية أخرى، عَمِل أتباع غولن بجد، متحالفين مع بعض أجزاء المعارضة التركية، لتصوير الحكومة باعتبارها مثالاً على الاستبداد الإسلامي الذي يقوده رئيس ديكتاتور يساعد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، من أجل الحصول على الدعم الدولي الغربي لهذا الانقلاب. لم يدرك الشعب التركي وجود هذا العدد من الضباط التابعين لغولن في الرتب العليا للجيش، مخفين هويتهم الحقيقية عن العامة. فشل الانقلاب لأن الشعب تصرف كفرسان الجيداي الحقيقيين دفاعاً عن الديمقراطية، مقاومين دبابات جيش هيزمت ورصاصاته، مستعيدين كلاً من الديمقراطية والجمهورية عبر تضحياتهم الباسلة. ولأن أتباع غولن ليسوا مستنسخين، تساءل الشعب التركي عما دفعهم للعكوف على العبادة المسيحانية لزعيمهم، وعن كيفية استخدامهم للمنظمات والأفراد الآخرين لتحقيق أهدافهم الخاصة كذلك. كما تساءلوا أيضاً عن السبب الكامن وراء التمثيل الضخم لأتباع غولن، الذين يشكلون أقل من 0.5% من المجتمع، في صفوف الشرطة والاستخبارات والقضاء والجيش. في وقت ما منذ ثلاثة أعوام مثَّل أتباع غولن غالبية ضباط استخبارات الشرطة. صُدم الشعب التركي باكتشاف أن حوالي 90% من طلاب الأكاديميات العسكرية هم من أتباع غولن أيضاً. من الواضح أن هذا لم يكن نتيجة لجهد أتباعه الشاق أو ذكائهم الخارق أو حيطتهم، بل يقودنا إلى اكتشاف تزوير منهجي، إذ تم تسريب أسئلة الامتحانات إلى أتباع غولن لزيادة تمثيلهم وقوتهم بداخل المؤسسات الحكومية. بل تعرض الطلاب أو البيروقراطيون غير التابعين لغولن إلى الابتزاز لأجل التعاون أو إجبارهم على ترك وظائفهم بسبب قضايا جنائية ملفقة، وهو ما يفسره وجود قضاة وضباط استخبارات تابعين لغولن، وهو ما دفع أردوغان وغيره من مسؤولي حزب العدالة والتنمية إلى الاعتذار للشعب التركي عن تقصيرهم في كشف هذه الحركة ووقفها، وهي الحركة التي عَدّوها أحد حلفاء عملية التحول الديمقراطي في الفترة ما بين 2002 و2013. ربما نرى قريباً تعبير المزيد من أحزاب المعارضة التركية والمثقفين الليبراليين عن أسفهم لرغبتهم، أو عدم رغبتهم، في التعاون مع مجموعات أتباع غولن ضد حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2013. حالياً يدعم حزبان من أكبر أحزاب المعارضة التركية جهود الحكومة لمواجهة الإرهاب الذي يمثله غولن في تركيا، إذ تدرك هذه الأحزاب الآن أن أتباع غولن استخدموا أيديولوجياتهم كقناع لتمكين حركتهم المسيحانية. الدعم الدولي لغولن لم تعتمد محاولات غولن للإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً على قوة أتباعه في الجيش فقط. اعتمد مخططو هذا الانقلاب أيضاً على الدعم الدولي، مؤمنين بأن بقوة الاتجاه المعارض لأردوغان وإدانة السياسيين ووسائل الإعلام له في أوروبا والولايات المتحدة، ستجعل قيام حكومتهم الجديدة أمراً مقبولاً لدى الغرب. وهو ما دفع بيان الانقلاب، الذي أذيع عبر التلفزيون الوطني التركي مساء الخامس عشر من يوليو، إلى الوعد بالرجوع إلى الديمقراطية الحقيقية وإعادة حقوق الإنسان في البلاد، قبل إعلان التزام تركيا بجميع التزاماتها وتحالفاتها الدولية. اتفق الانقلابيون، في نواح عدة، مع الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية لأردوغان كديكتاتور إسلامي. كانوا يعدون بالتخلص منه وإرجاع الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان. وأكدت تغطية وسائل الإعلام الغربية للأحداث في تركيا منذ الخامس عشر من يوليو على ثقة قادة الانقلاب في أنهم سينالون دعماً دولياً إذا نجحوا، وبدلاً من الكتابة عن العنف الصادم لمحاولة الانقلاب والأفعال البطولية التي قام بها المواطنون الأتراك لإيقافه، عبر الصحفيون الغربيون عن قلقهم بشأن رد الحكومة التركية على منظمة غولن الإرهابية، منكرين أي علاقة لغولن بالانقلاب. لم يكن هناك اهتمام حقيقي بشأن تجنب تركيا حرباً أهلية واقترابها من فقدان ديمقراطيتها، ولا أي تساؤلات عن دور وسائل الإعلام في تشجيع قادة الانقلاب بإهانة الحكومة وتشويه صورتها وكأنها طاغية شرقية. كتب ستيفن كينزر من صحيفة نيويورك تايمز سابقاً: (كل رجال الشاه: انقلاب أميركي وجذور الإرهاب في الشرق الأوسط)، وهو كتاب عن انقلاب عام 1953 الذي دعمته وكالة المخابرات المركزية CIA ضد رئيس الوزراء الإيراني الديمقراطي محمد مصدق. في الثالث من أغسطس/آب كتب كينزر مقالة رأي استمر فيها في تشويه سمعة أردوغان وتصويره كديكتاتور غاضب، مدافعاً فيها عن غولن، كما دحض مزاعم الحكومة التركية بشأن مسؤولية غولن عن هذا الانقلاب، وأعطى الحكومة الأميركية نصيحة في التعامل مع حليفها غير الديمقراطي في الناتو. الانطباع الذي يصل للقارئ هو أنه كان يتمنى لو نجح الانقلاب ليكون لأميركا حليف ديمقراطي بدلاً من أردوغان. ولكن ما قاله صحفي "النيويورك تايمز" عن أردوغان كان مشابهاً للغاية لتغطيته لما حدث لمصدق عام 1953. يجب على وسائل الإعلام الأميركية أن تتساءل لماذا يؤمن أعضاء النيابة العامة والشعب التركي بتورط أتباع غولن في هذا الانقلاب، بدلاً من تشويه صورة المسؤولين في الحكومة التركية وتصويرهم كديكتاتوريين، كما أن عليهم أيضاً التحدث إلى نظرائهم الأتراك ومحاولة مساعدتهم في التصدي للهجوم القادم لأتباع غولن. المثير للسخرية هنا هو أنه في حال نجاح الانقلاب -وهو ما كان سيحدث لولا شجاعة المواطنين الأتراك- كان الانقلابيون سيشكرون صحيفة "نيويورك تايمز" على مساهمتها. وفي تلك الحالة ربما كان ستيفن كينزر سيكتب كتاباً اسمه كل رجال غولن، بعد 20 سنة من الآن ويظهر في الكتاب كممثل. أما الآن فالشعب التركي سعيد؛ لأنه لا يعيش هذا الكابوس. كيف عزز الغرب نظريات المؤامرة في تركيا؟ عزز إصرار وسائل الإعلام الغربية الدفاع عن براءة حركة غولن في تركيا، والذي أسفر عن تهميشها، نظريات المؤامرة في الداخل التركي. ومع اتفاق المجتمع التركي المدني والمنظمات السياسية، ومن ضمنهم خصوم أردوغان العنيدون، حول من يقف وراء محاولة الانقلاب، وكيف يجب أن تستجيب الحكومة التركية لها، فإنهم يجدون صعوبة في فهم سبب استمرار دفاع الإعلام الأميركي والأوروبي عن غولن، إلا إن كانوا قد تقاضوا الثمن من لوبي غولن. في الماضي، كان الصحفيون الأميركيون والأوروبيون يتحدثون على الأقل إلى معارضي أردوغان الشرسين في تركيا، قبل كتابة أي شيء عنه، أما الآن، فيبدو أن الإعلام الغربي يردد خيالاته الاستشراقية، متخيلاً تهذيب الغرب الديمقراطي لتركيا الاستبدادية، وتعليمها كيف تصبح ديمقراطية حقيقية. في الواقع، يتصاعد نجم الأيديولوجيات الفاشية في الولايات المتّحدة وفي أنحاء أوروبا، مع إخفاقات مزرية في السياسات الخارجية، ونظرة مستشرفة للسيادة البيضاء على العالم؛ كل هذا يقوّض زعم الغرب بأنه يمثل المعايير العالمية للديمقراطية، وحقوق الإنسان والمساواة العرقية. وبينما يستمر الغرب في خيانة القيم العالمية التي يزعم أنه يمثلها، اتحد الشعب التركي -بأطيافه من المحافظين إلى اليساريين- دفاعاً عن مبادئ العلمانية والجمهورية والديمقراطية ضد العسكرة النابعة عن الطائفية. المثير للسخرية أن أردوغان أصبح منقذ مبادئ الديمقراطية الغربية، حين دعا الشعب إلى القتال ضد محاولة الانقلاب التي قام بها حواريو غولن. وكان الأتراك العاديون من كل الخلفيات التعليمية والعرقية والتوجهات الأيديولوجية هم من نهضوا لنصرة المبادئ العالمية للحرية، وهم يطالبون الآن بتحرير حكومتهم من اختراق غولن وأتباعه. لكن التقليل من شأن صراع تركيا الشجاع من أجل الحرية، والنظر إليه من خلال التصنيفات الاستشراقية، مثل الإسلاموية والديكتاتورية، يُظهر للأسف استمرار مواقف المؤمنين بسيادة البيض في الغرب، والتي لن تفلح إلا في الإضرار بمصالح الغرب نفسه. * هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني؛. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.