×
محافظة المنطقة الشرقية

الاعلام يشيد بأولمبياد ريو رغم مثالبه

صورة الخبر

«مقتل ٢٧٠٤ مدنيين، بينهم ٧٤٦ طفلاً على أيدي القوات الروسية منذ تدخلها في سورية»، إحصائية موثقة جديدة نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 16 آب (اغسطس) الجاري لتضاف إلى الآلاف غيرها من التقارير والإحصائيات والمقاطع المصورة على يوتيوب وغيره، عن الموت في سورية في السنين الخمس الماضية. تبلد الحس. وتعبت العيون والآذان والعقول من متابعة المأساة العبثية القاتلة ومحاولة فهم مغزى الأرقام التي تتراكم كتراكم جثث الضحايا أنفسهم في مواقع القصف وزنازين الإعدام وساحات القتال. وفقد المراقب غير السوري، وغير المعني مباشرة، التعاطف مع الضحايا الذين أصبحوا مجرد أرقام تتوالى في صفحات المطبوعات وشاشات الأنباء. وفقد أيضاً القدرة على الاستهجان أو الشجب، بعدما تنازل عن الفعل أو مطالبة دولته أو المجتمع الدولي بضرورة الفعل وإيقاف حمام الدم هذا منذ سنوات. لكن القتل ما زال فاعلاً في سورية. يتباطأ أحياناً لأسباب لوجيستية ربما، ثم تعود وتيرته للارتفاع، وغالباً من دون مبرر آني وملموس. هو فقط قتل متنوع، أرعن، أعمى، ولامبال. بل ربما أصبح أيضاً من دون هدف بعد ضياع بوصلات المتقاتلين من كل الأطراف وانتفاء أي مبرر مهما كان تافهاً أو مجنوناً للاستمرار في القتل سوى القتل ذاته والولوغ فيه كتعبير عن الوجود والمقاومة، وكدت أقول الممانعة. تتزايد الأرقام ويرتفع عدد الضحايا، لكن العالم لا يريد أن يأخذ بذلك علماً. الأمم المتحدة توقفت عن تعداد الضحايا رسمياً بعدما بلغ الرقم التقديري ٢٥٠ ألفاً، بحجة عدم مقدرتها على التحقق من الأرقام الواردة إليها من المصادر على الأرض. كان ذلك منذ أكثر من سنتين، أواخر حزيران (يونيو) ٢٠١٤. مذّاك ونحن نعيش في مضمار التقديرات، إذ لا أحد يملك السلطة الأدبية التي للأمم المتحدة لفرض «حقيقة» أو رقم ما. ما زال المحللون والمعلقون يستنبطون أرقاماً مبنية على هذا الرقم السحري، ٢٥٠ ألفاً. بعضهم وصل بالرقم إلى مستويات اعتبرت «صادمة»، كـ «المركز السوري لأبحاث السياسات» الذي أعلن عبر دراسة أصدرها في شباط (فبراير) ٢٠١٦ ونشرتها «الغارديان» البريطانية أن عدد الضحايا حتى ذلك الوقت بلغ ٤٧٠ ألفاً، أي أن حوالى الـ٢،٥ في المئة من الشعب السوري قضوا حتى الآن إضافة لمن أصيبوا بعاهات مزمنة أو تشوهوا أو فقدوا بعض أعضائهم أو أصبحوا يعانون مضاعفات نفسية شديدة، ممن قدر عددهم بأكثر من مليونين، بما يدخل الحرب السورية في خانة الحروب الأكثر ضحايا بعد الحرب العالمية الثانية وأكثرها دموية في قرننا الحادي والعشرين. لكن أغلب المحللين يُبقون رقم الضحايا الحالي دوماً ضمن حيز التمني بألا يتجاوز عتبة الـ٣٠٠ ألف إنسان، فيقدرونه بـ٢٧٠ ألفاً أو ٢٧٥ أو ٢٨٠، كما لو أن في تجاوز عتبة الـ٣٠٠ ألف انتقالاً من عالم دموي لكنْ خاضع لتحليل حسابي لخسائر الحرب إلى عالم همجي حيث لا توجد المنطقية لتكاثر الضحايا. لكن عتبة التحليل هذه غشاشة، فما قبلها قتل وموت وما بعدها كذلك. فلنحاول البقاء ضمن إطار التنابذ بالأرقام. فأي حسبة بسيطة لمعدل عدد الضحايا اليوميين الذين يسقطون بشتى الطرق، على يد قوات النظام وحلفائه الإيرانيين والحزباللهيين والفاطميين والزينبيين والأبوالفضليين وغيرهم من الشبيحة المحليين والمستوردين، والبراميل المتفجرة العشوائية، والقصف الروسي المتنامي والصارم ضد «الإرهاب» وبعض المستشفيات والقرى، وغارات التحالف الدولي، الأميركي ضمناً، ضد إرهاب «داعش» خصوصاً ولكن أيضاً مع بعض الخسائر الجانبية، والغازات السامة، ومؤخراً الفوسفور وربما النابالم، الانتقامية، والتعذيب في سجون الأسد وأقبية مخابراته أو في معتقلات الجهاديين، ووحشية «داعش» الدموية، ووحشية الفصائل الجهادية الأخرى الأقل دموية والتي تحب أن ترصع أسماءها بكلمتي «الفتح» و «الشام»، والأحزاب الكردية المقاتلة التي ما زالت تتخذ أسماء يسارية المنبع، وفصائل المعارضة المتعنتة والمتصارعة والمدعوة معتدلة لكن الهامشية من عسكريين منشقين ومقاتلين محليين ناقمين وأكراد وتركمان وربما أشوريين، والموت بسبب الجوع أو انعدام الأدوية أو استشراء الأمراض السارية، أو الغرق في لجج بحار الهجرة أو على طرقاتها الطويلة، تعطينا على الأقل ٤٠ ألف ضحية جديدة كل عام. أي أن التقدير المبدئي لعدد الضحايا في الثورة التي تحولت حرباً طائفية ثم قتالاً عدمياً لأمراء حرب قدماء وجدد وساحة صراع عالمية تجرب فيها الدول الغنية أسلحتها وتكتيكاتها وتختبر تحالفاتها، ودار هجرة لكل جهادي مهزوز، قارب الـ٣٥٠ ألفاً، إذا اعتبرنا رقم الأمم المتحدة أساساً للتقدير. ٣٥٠ ألف إنسان على الأقل ماتوا تعسفاً ومن دون مبرر منذ آذار (مارس) ٢٠١١. رقم آخر يضاف إلى سلسلة الأرقام التي سبقته، والتي لا بد ستأتي بعده. رقم مهول ربما، لكنه مجرد رقم، يخفي في اصطفاف مفرداته الرقمية البارد من اليمين إلى اليسار بأصفارها الأربعة تليها الخمسة والثلاثة ودلالاتها الحسابية، على ضخامتها، المآسي والآلام والمصائب التي تسبب بها موت كل هؤلاء الأفراد، الذين تعذبوا وماتوا وتركوا وراءهم شبكة من ناس أحبوهم وعاشوا معهم وارتبطوا بهم واعتمدوا عليهم، وهم اليوم يفتقدونهم ويعانون غيابهم ويحاولون لملمة ذكرياتهم عنهم والمحافظة عليها. الأعداد تمحو خصوصية مكوناتها الرقمية، تسحق إنسانية الضحايا، تنزع عنهم تفردهم، تلغي سيرهم وحيواتهم، وتختزل معانيها إلى أداة تبادل للمعلومات والمعطيات والإحصائيات والإدانات. وسط هذا كله تبقى طاحونة الموت في سورية تدور. ويتساقط البشر، الأفراد، وتختفي مع كل منهم سردية حياة كاملة ومتشابكة ومتقاطعة مع حيوات كثيرة أخرى. ويسقط أيضاً مع كل منهم جزء من إنسانيتنا وقدرتنا على الإحساس والتعاطف والتعبير والغضب والفعل. هم يتحولون رقماً آخر يضاف لسلسلة موت طويلة قبله. ونحن أيضاً نتحول معطى مجرداً آخر يدخل هو أيضاً ضمن سلسلة أرقام وإحصائيات عن القارئ والمتلقي والمستهلك للمعلومة والناشط المدني والمتوحد الغاضب الذي يمكن أن ينفجر والصوت الانتخابي الذي يجب مراضاته والمتفرج على عدد ساعات كذا على التلفزيون أو النت الذي يمكن استهدافه بنوعية معينة من الإعلانات توافق هواه. هذه الأرقام والإحصائيات والنسب لا تختلف كثيراً عن أرقام الموتى وإحصاءات أعدادهم، سوى أن من يربح منها يعلن عن نفسه بأرقام الأرباح من دون تبجح ودعوات للتضحية أو خطب نارية وادعاءات العظمة والإلهام أو حسابات جيوستراتيجية على مستوى العالم كله.