«إن مؤسس النظام الكشفي العالمي هو رجل بريطاني موصوف باللوطية، فحركة الكشافة تقوم على تجنيد الأحداث المميزين الذين لم يناهزوا البلوغ بعد، لأجل رياضة أبدانهم وتعويدهم على أعمال إنسانية محضة، ثم يجبرونهم في المعسكرات الكشفية على كشف أفخاذهم لمتعة النظر إليها وهي عارية بيضاء نقية، وقد تكون تسميتها بـ(الكشافة) مشتقة من الكشف عن الأفخاذ». هكذا يرى الشيخ أبوبكر الجزائري حركة الكشافة في رسالة له بعنوان (اللقطات فيما ظهر للساعة من علامات) صدرت في منتصف الثمانينات الميلادية، وهي تعتبر مكملة لرسالة سابقة عنوانها (الأحاديث النبوية الشريفة في أعاجيب المخترعات الحديثة) -سبق الحديث عنها في المقال السابق-. يرى الجزائري أن ظهور حركة الكشافة يعتبر من علامات قرب الساعة، وأن انتشارها بين المسلمين واستحسانهم لها أمارة من أمارات الشر، مستدلا على ذلك بالحديث النبوي الذي ذكر عددا من خصال قوم لوط، ومنها: «والمشي في الأسواق والأفخاذ بادية» (رواه الديلمي)، قائلا: «فظهور الكشافة علامة من علامات الساعة، فلم يعرف الناس من قبل المشي في الأسواق والأفخاذ بادية إلا بعدما ظهرت المعسكرات الكشفية». الحديث عن علامات الساعة وأشراطها أحد الفنون الجانبية المتصلة بدراسة النصوص الدينية، وصدر في ذلك مؤلفات عديدة ومتنوعة، فيها الغث والسمين، وحملت بين طياتها بعضا مما يصح، وكثيرا مما لا يصح، وكثيرا مما يعتبر الجهل به أولى وأسلم. لكن الجديد في رسالة (اللقطات) للجزائري هو استماتته في تنزيل بعض النصوص على المتغيرات الاجتماعية والثقافية، وربط ذلك بعلامات الساعة بشكل متعسف غريب، في استنتاجات يحتار أمام بعضها القارئ هل يضحك، أم يندهش، أم يبتسم لظرافة الرأي والتحليل. من ذلك حديثه عن المظاهرات، وكيف أنها أصبحت أيضا هي الأخرى شرطا من أشراط الساعة، يقول: «المظاهرات هي خروج المواطنين من منازلهم وأعمالهم وتجمعهم في الساحات العامة يحملون لافتات ويهتفون بأعلى صوتهم مطالبين بما يريدون تحقيقه.. هي علامة لقرب القيامة، يدل على ذلك ما رواه الطبراني «ثلاث إذا رأيتموهن فعند ذلك تقوم الساعة» ومنها قوله «خراب العامر، وعمار الخراب، وأن يكون الغزو نداء» والشاهد هنا قوله «الغزو نداء»؛ أي رفع أصوات المتظاهرين، الذين يعدون هذه النداءات جهاداً. فالمظاهرات لم تكن معروفة في العالم من قبل، لكنها ظهرت اليوم، وذلك آية على قيام الساعة، وقرب نهاية الزمان.. فهل من تائب يا عباد الله. في موضع آخر تحدث الجزائري عن نظرية داروين، التي كانت مدار جدل محتدم بعد الاهتمام بها في العالم العربي بين المفكرين والمثقفين منذ أواسط القرن الماضي. ورغم أن هذه النظرية تكاد تكون بمثابة القانون العلمي الآن في علم الجينات الحديث، إلا أن الجزائري يقرر بكل صراحة أن «نظرية داروين قد أنكرها وكفر بها علماء الكون والطبيعة في كل أوروبا وأمريكا، وبالغوا في إنكارها حتى وصفها بعضهم أنها نظرية أبوها الكفر، وأمها القذارة. لكن المؤسف أنها تسللت إلى بعض مدارس المسلمين». يؤكد الجزائري أن هذه الفتنة -نظرية داروين- قد أخبر عنها النبي عليه السلام قبل ألف وأربعمائة سنة، حيث «وورد في بيانها ورفضها نص صريح الدلالة، نص يجتثها من أصلها، ويلقي بها في سلة المهملات». والحديث الذي جاء ردا عليها -كما يقول الجزائري- هو ما روي في الصحيح من قوله عليه السلام: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورته». أورد الجزائري عدة تأويلات لهذا الحديث، لتفسير الضمير في قوله «صورته»، -وهي مسألة من أشهر المسائل الخلافية في مباحث العقيدة-. ومن هذه التأويلات أن الله خلق آدم على صورته عز وجل، لكن الجزائري يعلق على هذا القول بأنه «محال عقلا وشرعا، فسبحانه ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفؤ ولا مثل بحال». ثم رجح أن يكون معنى الحديث هو أن «الله تعالى خلق آدم على صورته التي ورثها أبناؤه عنه، ولازم هذا أن آدم عليه السلام لم يتطور في خلقه، بل خلقه الله يوم خلقه على صورته التي توارثها أبناؤه جيلا بعد جيل، فلم يطرأ عليه تغير أو تبدل.. وهذه معجزة محمدية، وشاهد على إبطال النظرية الدارونية». لكن هذه الاستنتاج الذي طار به الجزائري فرحاً، ربما أوقعه في المحظور، فوجه له الشيخ حمود التويجري نقداً لاذعا في كتابه (تنبيهات على رسالتين للشيخ أبوبكر الجزائري)، حيث قال: «إن الجزائري زل في هذا الموضع زلة شنيعة، حيث قرر قول الجهمية وأخذ به وخالف قول أهل السنة والجماعة وزعم أن قولهم باطل ومحال عقلا وشرعا، فقول أهل السنة إن آدم خُلق على صورة الرحمن، ويُسلك في هذا الحديث كما يُسلك في أحاديث وآيات الصفات، تمر كما جاءت ولا يقال فيها كيف ولِمَ، بل تقابل بالتصديق والتسليم، وترك النظر والتأويل. وليس في الحديث شيء من الباطل، بل الباطل رد الحديث الصحيح، وتأويله بما يوافق أقوال الجهمية ومذاهبهم الباطلة». لكن لم يفت التويجري أن يؤكد في ثنايا كلامه أن نظرية داروين تعتبر «كفراً صريحاً، ومقالة خبيثة لا يؤمن بها إلا من ينكر الخالق، ويرى أن المخلوقات تكونت من قبل الطبيعة لا بفعل الرب». التويجري في تعقيبه على رسالتي الجزائري لم يعلق كثيرا على النتائج وإسقاطات النصوص على الواقع، بقدر ما كان معنياً بتخريج الأحاديث، وبيان حكمها صحة أو ضعفاً حيث حكم على مجمل الأحاديث التي أوردها الجزائري إما بالضعف أو بالوضع، كما في النصوص التي استشهد بها في مسألة الكشافة والمظاهرات. لكن التويجري لم يتمالك نفسه أمام قصة تحدث عنها الجزائري في معرض تفسيره لحديث «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم»، يروي الجزائري: «حضرت بمدينة وجدة بالديار المغربية مجلسا فقيل هذا الواعظ الفلاني، قد فسر جحر الضب في الحديث بلبس السروال الطويل الضيق (البنطلون)، فاستوجهت هذا التأويل واستملحته للغاية، فالسروال الضيق أشبه بجحر الضب، وقد قلد فيه المسلمون اليهود والنصارى ولبسوه مع أنه يكره في الصلاة وينافي الحياء». فعلق عليه التويجري: «هذا التفسير غريب جداً، وأغرب منه استيجاهه واستملاحه للغاية، ولعل المفسر والمستوجه المستملح لا يعرفان الضب ولا جحره، إذ لو عرفاهما لما عدلا إلى التأويل المتكلف، وإنه ليخشى على من فسر جحر الضب في الحديث بالسروال الضيق الطويل أن يكون داخلاً في عموم قوله عليه السلام «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار». نقلا عن عكاظ