قبل أيام قليلة، كتبت مقالا بعنوان (تسهيل الموت)، ودار في فلك المنع الذي يتعرض له المسعفون من دخول التجمعات النسائية عند حدوث حادثة توجب التدخل الإسعافي، وهي القضية التي ما زالت في خانة المسكوت عنه، ولم تجد مناقشة إعلامية تكسبها حضور القضايا الاجتماعية المقلقة التي يجب علينا جميعا المشاركة في إيجاد الحلول المثلى لتجنب كوارث حوادث التجمعات النسائية، فهي من القضايا التي يتذكرها الإعلام عندما تحل (مصيبة) في مكان ما، ثم (يقلب الصفحة) كأن لم تكن، وقد تكون حادثة حريق إحدى مدارس مكة المكرمة هي الشرارة الأولى التي نبهتنا لخطورة منع المسعفين من الدخول لإنقاذ أرواح بشرية تعرضت لحريق، وفي تلك الحادثة ماتت خمس عشرة نفسا (وعدد كبير من المصابات)؛ بسبب تعنت المنع من دخول المسعفين أو أولياء أمور الطالبات وغلق باب الخروج على الطالبات، بينما الحريق يشتعل ويلتهم الموجودات.. ذلك الحادث كان من الممكن أن يغير وجهة رأي الجهات المعنية واستصدار قانون ملزم يتيح للجهات المسعفة دخول أي مكان تتعرض فيه المرأة للخطر من غير الحاجة إلى إذن أو انتظار ذلك الإذن، ولأننا ما زلنا نعيش بنفس عقلية المنع، وكان آخر ضحايا هذه العقلية وفاة طالبة بجامعة الملك سعود بسبب تأخر إسعافها. وإذا لم يكن بالإمكان زحزحة هذه العقلية عن موقفها المتصلب، فيمكن أن توجد حلول أخرى تقينا تضاعف نسب المصابين في حوادث التجمعات النسائية، وهي حلول مقدور على تنفيذها لو توفرت النية في تثبيتها وإقرارها، فمثلا يمكن إيجاد مستوصف مصغر داخل جامعات البنات ومجهز بكل الوسائل الإسعافية، بدءا من الطاقم البشري، وصولا إلى الأجهزة الطبية، وربما يقول قائل إن بعض الجامعات أو الكليات النسائية يوجد بها ما تطالب به، إلا أن الواقع يشير إلى أنها مستوصفات صورية تقتصر على أفراد محدودين (لا يتجاوز عدد أفرادها الثلاثة أو الأربعة)، وإن كان هذا الحل يفيد الجامعات، إلا أن مشكلة الإنقاذ والإسعاف يجب أن تطال كل التجمعات النسائية، فيصبح حل هذه المعضلة هو فتح باب توظيف النساء في الهلال الأحمر، وكذلك في الدفاع المدني؛ لكي يباشرن عملية الإنقاذ والإسعاف في تلك المواقع من غير الحاجة لانتظار أمر مباشرة إسعاف المصابين.. ولو تم تشغيل النساء في هذين المرفقين، فسوف نستفيد أولا الإنقاذ السريع لحياة النساء، وثانيا امتصاص جزء من بطالة المرأة.. أعلم أن هذا الطلب سوف يثير غضب البعض، وللأسف، دائما تقودنا عقلية المنع لثنائية مربكة، حتى وصل الأمر أننا نبحث عن الحلول في مسائل ثانوية لا تعد مشكلة في أي موقع من الأرض، وهذا ما يفقدنا التركيز لإيحاد حلول للقضايا الكبرى.