قبل بضعة أسابيع من الانتخابات التشريعية المغربية المقررة يوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني القادم، طغى جدل حول إعلان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران نيته الترشح في الدائرة الانتخابية لمدينة سلا، المجاورة للعاصمة الرباط. وتركزالجدل بالأساس حول مدى قانونية هذا الترشح، وهل هو مطابق للدستور أم لا؟ وهل هو مقبول سياسيا وأخلاقيا؟ خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة في الإشراف على عملية الاقتراع. المدافعون عن ترشح بنكيران يؤكدون حقه في خوض الانتخابات دفاعا عن حصيلة حكومته، على غرار ما هو معمول به في معظم الأنظمة الديمقراطية سواء أكانت برلمانية أو رئاسية. وذلك ما يؤيده الدكتور بلال التليديعضوحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الحكومة، إذ يؤكد أن الدستور لم يمنع هذا الأخير من حقه في الترشح، شأنه في ذلك شأن عامة المواطنين المغاربة الكاملي الأهلية. ويذكّرالتليدي بأن الفصل 42 من الدستور يوضح أن من يصون الاختيار الديمقراطي هو الملك باعتباره رئيسا للدولة وممثلها الأسمى وليس رئيس الحكومة، حتى وإن كان الأخير يضطلع بمهمة الإشراف السياسي على الانتخابات، وهي مهمة أوكلها الملك لبنكيران باعتباره رئيسا للحكومة وكلفه بالإشراف على سلامتها وحسن تنظيمها. بلال التليدي: الدستور لا يمنع بنكيران من حقه في الترشح (الجزيرة) ترشح هجين غير أن مهمة الإشراف على الانتخابات لا تجعل من ترشحه شيئا هجينا يتعارض مع الدستور والقوانين المنظمة، كما يقول الدكتور نور الدين سنان العضو في حزب التقدم والاشتراكية الذي يعتبر أقوى حلفاء حزب العدالة والتنمية في الحكومة الحالية. ويثير سنان نقطة يصفها بالأخلاقية عندما يؤكد أن ترشح بنكيران -الرجل الثاني في هرم الدولة بحكم منصبه- قد يخلق شكّا حول حياده ووقوفه على نفس المسافة من جميع المرشحين أثناء تأديته لمهمة الإشراف الانتخابي. وقد يجعل ذلك بنكيران -حسب سنان- أول المتضررين من هذا الترشح، خاصة أن منصبه يعطيه إمكانية الدفاع عن خياراته السياسية دون حاجته للنزول إلى مستوى أدنى، أي مستوى التجمعات الانتخابية والحملات الدعائية في القرى والمدن. ولعل هذا الجدل الذي يبقى بعيدا إلى حد كبير عن الاهتمامات الآنية للمواطن المغربي، قد أعاد إلى الواجهة مسألة الجهة المشرفة على الانتخابات، حيث ما زالت وزارتا الداخلية والعدلالجهتين اللتين تشرفان على هذه العملية بدلا من أن تكون هناك هيئة مستقلة تناط بعهدتها هذه المهمة، مما يجعل البعض -ومنهمالتليدي- يؤكدون أن المملكة ما زالت تعيش وضعا ديمقراطيا غير مكتمل. محمد المعزوز (الثالث من اليمين)مع ثلة من الشخصيات السياسية والأكاديمية (الجزيرة) رأي آخر ولمعارضي بنكيران وحزبه وحكومته رأي آخر يدخل حسب -عضوالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة الدكتور محمد المعزوز- ضمن إشكالية كبرى لها علاقة بما يصفه "بالنخب الصنمية". وهي إشكالية يلخصها المعزوز في أن النقاش حول أحقية رئيس الحكومة في الترشح ليس إلا جزأها الظاهر، لأن السياقات الفكرية والسياسية في عالم اليوم تنزع -برأيه- نحو تجديد النخب، ولا تقف عند الأشخاص ذاتهم مهما كانت درجة الكاريزما التي يتمتعون بها. ويعتبر المعزوز أن هناك توجها اليوم نحو تفعيل ما يسميها الكاريزما الجماعية في إطار التناوب على المسؤوليات، مضيفا أنها عملية تدوير النخب،ومطالبا الأحزاب السياسية المغربية بالعمل على تقديم نخب جديدة وقوية وإنهاء الاحتكار السياسي الذي تمارسه نخب بعينها. وأوضح أن النقاش حول ترشح رئيس الحكومة سيتواصل إلى حين، ويرى عدد من المتابعين أن هذا النقاشلا يعدو أن يكون مؤشرا على "شخصنة" بات يتسم بها المشهد السياسي المغربي، وأبرز شخصين فيه هما عبد الإله بنكيران وإلياس العماري زعيم حزب الأصالة والمعاصرة الذي يعتبر من أكبر معارضي تجربة حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة. ويرى مراقبون أن هذه الشخصنةلا تخدم بالضرورة التجربة الديمقراطية التي يريد المغرب أن يرسخ دعائمها، والتي تمر -حسب الخبراء والمحللين- عبر اتفاق الأحزاب السياسية وتأكيدها على حد أدنى من الثقة في بعضها البعض، وفي دواليب الدولة ودستورها وقوانينها.