كبرت كرة النار حتى وصلت إلى ما تبقى من أمن لبنان الهش ومؤسساته العاطلة عن العمل بفعل التمديد لمجلسه النيابي وبفعل تعطيل تشكيل الحكومة التي بدورها ستؤدي إلى فراغ الرئاسة الأولى، بعدما التصق الاستحقاقان ببعضهما وبات صعبا الفصل بينهما. كبرت كرة النار وباتت تهدد وطنا بأكمله فيما المراقبون يقولون: « إن الآتي أعظم». فما هو أعظم من تفريغ المؤسسات اللبنانية من مضمونها ودورها؟ وما هو أعظم من صقيع الشتاء الأمني الذي حصد الكثير من الأرواح والممتلكات وكشف لبنان أكثر؟ يجيب المراقبون ونقلا عن التقارير الاستخباراتية ذاتها: الفراغ لا بد منه والربيع اللبناني سيكون ساخناً أيضاً. أما الواقع فيقول إن هذه السخونة ستنسحب على مدى الفصول الأربعة طالما حزب الله لم يتخذ قراره المناسب بالعودة من المستنقعات السورية التي وصل منسوب دمائها إلى لبنان. حزب الله يغفل أن لبنان سيدا مستقلا ويتصرف على أساس «وحدة المسار والمصير» مع سوريا، ويغفل أن هذه الوحدة باتت وحدتين ومصيرين ومسارين بعدما اغتيل الرئيس رفيق الحريري، يغفل أن أبرز عناصره متهمون بقضية العصر ويغفل أن المحكمة الدولية مستمرة وأن التفجيرات بدأت تعصف بعقر داره، يغفل أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان طمأنهم بأنه لن يقبل بالتمديد، وبدأ يعد العدة للرحيل، لكن في داخلهم خشية منه لأنه يمسك بالورقة الأكثر خطورة بنظرهم وهي تشكيل حكومة في الربع الساعة الأخير، التي بدورها ستؤدي إلى انتخابات رئاسية جديدة، وهو ما لا يريده حزب الله، لا يريد التمديد لسليمان ولا يريد بديلا عنه، غافلا أنه يرمي كرة من النار في موقع الرئاسة الأولى. لم يسبق للبنان أن اختلطت ملفاته الأمنية والسياسية والاقتصادية كما يحصل اليوم، ولم يسبق للبنان ولأصدقائه أن وقفوا عاجزين عن إيجاد الحلول المؤقتة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة من هنا أو تمرير أي استحقاق دستوري من هناك. لبنان أمام فراغ سياسي شامل وانكشاف أمني، فالسيارات والدراجات المفخخة بدأت تنتشر في الشوارع والمدن بأكملها ، و «المفخخون ينتظرون الإشارة»، ربما ينتظرون أي تغيير في موازين القوى على الأرض السورية أو ينتظرون إعلان فشل الجولة الثانية من جنيف2، أو ينتظرون أي تقدم وربما تراجع في الملفات الإقليمية التي اختلطت بدورها بفعل الأزمة السورية. وإن غدا لناظره قريب.