ليبيا ضحية تدخلات خارجية، وخلط مفاهيم وتفسير قرارات دولية، منذ تفسير قرار حماية المدنيين عام 2011، الذي سمح بإسقاط آلاف الأطنان من القنابل تعدت 11 ألف ضربة جوية على مؤسسات الدولة المختلفة من معسكرات ومراكز، بل وحتى مطارات وموانئ مدنية وشبكات كهرباء واتصالات، مما تسبب في إسقاط دولة، وليس فقط إسقاط نظام ديكتاتوري لا نختلف على ضرورة خروجه من ليبيا. مفهوم التدخل الدولي يختلف ويتباين بين جميع المعرفين للمصطلح، فتعريف التدخل الدولي وتقدير مشروعيته محل خلاف لغوي وسياسي، ففي الإنجليزية هناك مرادفان Intervention بمعنى تسوية نزاع أو التدخل بالقوة أو التهديد بالقوة، وكلمة Interference وهي تستخدم للدلالة على التدخل العادي المحدود بين طرفين للتسوية بينهما. وكثيرًا ما تسلل التدخل الأجنبي تحت عباءة التعاطف الدولي والمساندة الدولية فيتم الخلط بين التدخل الدولي (الأممي) والتدخل الأجنبي (الأحادي)، لتتصاعد درجة (الدروشة) بين الدراويش حتى يصف كبيرهم طائرات أجنبية تقصف بلاده بأطنان من القنابل بـ الطير الأبابيل مبررها إسقاط طاغية وحماية مدنيين، انكشف فيما بعد أنها إسقاط دولة وتشتيت شعب لنهب ثرواته، ولا عزاء للمدنيين، فيما يغرد درويش آخر بأن هذا الحلف (قاصدًا) الأجنبي: لو شهده الفاتحون الأولون لباركوه وانضموا إليه، وهو يعني حلف الناتو وهو يدك معسكرات الجيش الليبي. التدخل الأجنبي الذي حدث في ليبيا عام 2011 تسمى بالتدخل الدولي، لكونه مرر من خلال مجلس الأمن ولبس عباءة حماية المدنيين والتخلص من ديكتاتور هو القذافي، رغم أن حلف الناتو الذي نفذ قرار مجلس الأمن، لم يكن قوى تابعة للمجلس، ولا هو مؤسسة خيرية، ولا منظمة إنسانية، بل هو حلف أحادي القوى، تحكم تدخلاته حزمة من تقاطع المصالح، مما يجعله تدخلاً أجنبيًا يحمل مصالح خاصة، ويعتبر إحدى أدوات الاستبداد في السيطرة على الشعوب، رغم أن ميثاق الأمم المتحدة كتب لدعم الدولة التقليدية وسيادتها، ضمن مفهوم السيادة التقليدي، فإن مجلس الأمن قد انتهك هذا المفهوم أكثر من مرة، وفرض الميثاق أوضاعًا تسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، بحجة الفصل السابع من الميثاق، الذي تسلل من خلاله التدخل الأجنبي بعباءة التدخل الدولي. يعرف المفكر شارل روسو التدخل بأنه عبارة عن قيام دولة بتصرف، بمقتضاه تتدخل الدولة في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى، بغرض إجبارها على تنفيذ أو عدم تنفيذ عمل ما، وتحاول فرض إرادتها بممارسة الضغط بمختلف الأشكال، كالضغط السياسي والاقتصادي والنفسي والعسكري. واليوم تمدد الإرهاب في صورة داعش وأخواتها، الخوارج الجدد في مناطق من ليبيا، خصوصًا قرب منابع النفط، جعل التدخل الأجنبي في ليبيا يظهر للعلن من جديد على شكل ضربات جوية أميركية تمددت إلى نزول قوات برية على الأرض، هي في الأصل محاولة دعاية انتخابية يقدمها الديمقراطي أوباما لمرشحة حزبه هيلاري كلينتون، أمام تصاعد اتهامات منافسها الجمهوري ترامب لها بصناعة داعش، وتأكيدات موقع ويكيليكس لدعمها لـ داعش بالأموال عبر شركات خاصة. التدخل الأمريكي في ليبيا جاء من أجل النفط ولا علاقة للمدنيين بالأمر، فالمدنيون يذبحون في سرت منذ عامين ولا بواكي لهم، ولكنه جاء بعد محاولة تنظيم داعش السيطرة على آبار النفط في الهلال النفطي، ومحاولة التنظيم التعاطي مع ليبيا بصفتها عاصمة ثانية لدولته المزعومة بعد انهياره الكبير في العراق موطن التنظيم ومنبته الأصلي، لتبقى ليبيا بين خيارين، التدخل الدولي والتدخل الأجنبي، الذي داعش أخطرها. الشرق الأوسط