سيذكر التأريخ بأن اثنين من الزعماء المسلمين هما أول من قادا عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني. لا نعلم هل سيتبعهما أحد أم لا، غير أنهما سجلا السبق في هذا الأمر دون منازع. اللافت للنظر هنا أن الزعيمين، أنور السادات ورجب طيب إردوغان، لهما توجه وميول مع جماعة الإخوان المسلمين! في مطلع السبعينات من القرن الفارط، قام الزعيم المصري أنور السادات بعقد صفقة مع الإخوان رغم أنه كان شاهدا على غدر الجماعة بالرئيس جمال عبدالناصر إلا أنه كان يرى أهمية الاستعانة بهم لكبح جماح التنظيم الناصري الذي كان يعده السادات هو الخطر الرئيس على نظامه آنذاك. أصدر الرئيس أوامره حينذاك بالإفراج عن كل الإخوان المعتقلين من قيادات وأفراد، والسماح بعودة الهاربين منهم للخليج والذين كانت قد استقبلتهم كثير من دول المنطقة الخليجية. مكن لهم السادات من السيطرة على مؤسسات الدولة، وبالأخص في مجال التعليم كما فعلت الأمر نفسه بعض دول الخليج، غير أن الغدر والخيانة كانا هما المكافأة التي قدمتها الجماعة بقتل الرئيس أنور السادات وسط جيشه وبين جنوده. وفي المرحلة الحالية، وفي مصر أيضا، تقوم عصابات الجماعة بجرائم التفجيرات وسفك الدماء والاغتيالات، مما تسبب في ضرب الاقتصاد المصري، وهو ما تسعى إليه الجماعة فعليا غير آبهة بسلامة وطنهم ومواطنيهم، كل هذا يحدث نكاية بالحكومة الشرعية والرئيس عبدالفتاح السيسي الذي انتخبه الشعب المصري بنسبة تجاوزت 97% في يونيو 2014 بعد المظاهرات الشعبية الحاشدة التي طالبت بإسقاط حكم الإخوان بقيادة الرئيس المخلوع محمد مرسي. فعلت بعض الدول الخليجية الأمر نفسه مع الجماعة ورموزها. فبعد أن طردتهم بلدانهم ونصبت لبعضهم المشانق، استقبلتهم أفضل استقبال وقدمت كل التسهيلات لهم، وسلمت لكوادرهم عملية إدارة التعليم ووضع المناهج التعليمية، وتركت لهم الصلاحيات الكاملة في مجال تنشئة الأجيال وحشو عقول أبناء المنطقة. واستغلت الجماعة الثقة، فقامت بالسيطرة على عملية تأليف الكتب الدينية على وجه الخصوص. وتدريجيا، وضعت الجماعة بصمتها الفكرية على المواد الأخرى حتى تحولت المواد الاجتماعية والعربية إلى مواد دينية، بل إنها أدرجت بعض مؤلفات قياداتها في المناهج. امتدت سطوة الجماعة لتكوين مناشط طلابية داخل وخارج المدارس لفرض السيطرة التامة على فكر الطالب خارج أسوار المدرسة بشكل يومي من خلال جماعات المساجد المخالفة في الأحياء وكذلك ما يسمى بالمراكز الصيفية. ومن ذات المبدأ الإخواني القائم على المكافأة بالسوء وعض اليد التي تمتد إليهم بالإحسان كما حصل سلفاً مع حكومة أنور السادات، تكررت المكافأة السيئة من الإخوان المسلمين في المشهد الخليجي بتسبب المشاكل وخلق الفتن والوقوف ضد السعودية في مواقف عديدة، تجلى ذلك في الأزمة الخليجية الثانية حين استعانت بلادنا بالجيش الأميركي لدحر عدوان صدام حسين الغاشم وتحرير أرض الكويت الشقيقة. السؤال هل يتكرر الحال مع الأنظمة التي تتلقف الجماعة الآن وتحتضن رموزها وتدعمها؟ هل تستيقظ تلك الأنظمة الداعمة للجماعة على خيانة جديدة تعصف بأمن واستقرار بلدانهم؟ أليس ما حدث لمصر والسعودية و(الإمارات مؤخرا) دروسا كافية بالمجان ينبغي استيعابها والكف عن احتواء هذه الجماعة الإرهابية التي تنزع للغدر والخيانة والتي تغلب مصلحتها فوق مصلحة الأوطان، حيث إنها من الأصل لا تعترف بشيء اسمه "وطن"، هكذا ورد في أدبياتهم. ألم يحن الوقت بعد لتلك الأنظمة التي تحكم شعوبا عزيزة على قلوبنا أن تفيق وتأخذ العبرة فيما حصل من معاناة وأزمات واغتيالات على مستوى الأفراد والقيادات في البلدان آنفة الذكر جراء منح ثقة تامة بالجماعة، اتضح أن الثقة لم تكن في محلها، وأن الجماعة ليست أهلا لها.