ساد خلال الفترة الماضية استخدام مصطلح الدولة العميقة. هذا المصطلح المهم فلسفيا وسياسيا واقتصاديا وإداريا وحتى في مفاهيم علم الاجتماع، يبحث في قضية من أهم قضايا العالم، الذي يحارب كلٌّ فيه من أجل الحفاظ على امتيازاته، وقد يعمل على ذلك باستخدام كل وسائل النضال المشروعة وغير المشروعة. يمكن أن يقرأ المتابع الأوضاع في العالمين العربي والغربي ليتعرف على مفهوم الدولة العميقة. يهمني هنا أن أنقل المفهوم بعض الشيء باتجاه علم الإدارة، الذي يمكن أن نعد معاناته من المنظومات العميقة كارثيا. السبب الأهم في خطورة المنظمة العميقة هو محاربة التطور. يقول المختصون إن الأعمال التي لا وجود لها على الشبكة العنكبوتية، معرضة للفشل خلال سنوات لا تتجاوز الخمس. هذا التحول الجذري يعني أنه لا بد أن ننظر للعالم من منظور جديد يتبنى التغيير، بل يركض نحوه، بدل أن ينتظر حدوثه. التغيير الذي نتحدث عنه، هو تغيير في المفاهيم والقيم والفلسفة وأسلوب إدارة الأعمال. عندما نتبنى مفاهيم التغيير التي نراها في الأفق، سنجد أن هناك كثيرا ممن يرون في التغيير علامة على أفول نجوميتهم، وظهور نجوم جدد لا يملكون المؤهلات التي يملكها أسلافهم. إن القيم المعتمدة في عالم الأعمال أمس، لم تعد بالضرورة ما يحقق المكاسب في الغد. أسلوب اللبس، وطريقة الحديث، ونوعية التأهيل، ودرجة التدريب في مجالات معينة، لم تعد المؤثرات الأهم اليوم. أصبح لدينا جيل جديد ممن يخالفون كل ما درسته كليات الأعمال في العقود الماضية. يمكن لك أن تتأكد من هذا التغيير الكبير بدخول أي من شركات الإنترنت أو مكاتب التسويق أو مصانع الإلكترونيات، فإنك لن تجد فيها أحدا ممن تتوقع أن تراهم سواء من ناحية الشكل أو المضمون. عندما بنت مدارس الإدارة مفاهيمها الأساس لتحديد القادة والمبدعين وأصحاب الحضور القوي، كانت تعيش في عالم يعتمد على التأثير الشخصي والحضور والقبول و"الكاريزما" التي تمنح الشخص القدرة على التأثير في الآخرين. اليوم نجد كثيرا من المبدعين وكبار رجال الأعمال ممن لا يحملون درجات علمية عالية، ولا يملكون القدرة على الحديث أمام الحشود، بل لا يستطيع الواحد منهم أن يقدم بحثا محكما... كيف نتعامل مع هؤلاء؟ نتحدث في الغد بحول الله.