بلغ صحيفة «لوموند» قسم من وثائق سربها مستشار الامن القومي السابق الاميركي، ادوارد سنودن، فتعاونت مع شريك سنودن، الصحافي والمدون الاميركي غلن غرينولد المستقر في البرازيل حيث يدير قاعدة البيانات «السنودية». وسلط عدد من الصحف الدولية، ومنها «غارديان» البريطانية، الضوء على جوانب مختلفة من التجسس الالكتروني الاميركي الواسع النطاق و«الجامع». ويعود تعاون «لوموند» وغرينولد الى آب (اغسطس) الماضي. فهو حارس أو خادم الوثائق أو وليها منذ قابل سنودن في حزيران (يونيو) الماضي في هونغ كونغ لإجراء مقابلة معه نشرتها «غارديان». والصحافي هذا محام سابق ومدافع عن الحريات العامة. وهو يشارك على صفحات الصحيفة هذه في تقديم مطالعته عن المعلومات الواردة في آلاف الملفات. وشكلت «لوموند» فريقاً من عشرات الصحافيين يسعى الى تتبع تاريخ برنامج المراقبة «بريسم» الخاص بمجلس الامن القومي الاميركي وتلخيص ابرز عناصره من مواد نشرت في الصحف العالمية بالتعاون مع غرينولد؛ وفحص برنامج مراقبة الاستخبارات الاميركية في فرنسا. والوثائق مختلفة الالوان و«المضمون». وهي على مقدار عال من التقانة. لذا، يقتضي الاطلاع عليها فحصاً دقيقاً وتحليلاً عميقاً يبرز معناها وقدرها. وإثر حيازة «لوموند» هذه الوثائق، بدأت عملية استقصاء المعلومات في فرنسا. وتوجهت الصحيفة الى مصادر رسمية فرنسية وسألتها الرد على المعلومات. وهي ترى أن عامة الفرنسيين يحق لهم الاطلاع على برنامج التجسس والتنصت الاميركي الذي يقوض أركان الديموقراطية ومبادئها. ولن تروج الصحيفة للوثائق أو تنشر كل ما تجده وتقع اليد عليه. فهي لن تنشر وثائق سنودن نشراً كاملاً أو «خاماً». ومثل هذا النشر غير مـسـؤول. فـما كـشــف عنـه سنـودن لا يـرمـي الى تقويض المجـتمعات الـديـمـوقـراطيـة بـل إلـى تمتينها، والى حمل الناس على ادراك المخاطر التي تتهدد القيم الغربية جراء النبش في كم هائل من بيانات الواحد منا والتطفل على حيواتنا وآرائنا، ومصادرة الحق في الحياة الخاصة. و«لوموند» إذ تنشر تحقيقات عن وثائق سنودن، تواصل سلسلة تحقيقات بدأتها في الاعوام الاخيرة تناولت الحريات العامة والفردية. وهي نشرت في تموز (يوليو) الماضي تحقيقاً عن مراقبة الاستخبارات الفرنسية التخابر الالكتروني والخليوي. فرواية «الحرب» السرية والالكترونية التي تدور في أروقة الديموقراطيات الغربية، تسلط الضوء على غياب النقاش السياسي العميق حول مراقبة المواطنين. وحرية التواصل من غير قيود او رقابة والحق في سرية المراسلات هما من اركان الديموقراطيات ونواتها. فالتدخل الممنهج في الحياة الخاصة هو ديدن الانظمة التوتاليتارية. وتوجه سهام النقد الى وسائل الاعلام التي اخذت على عاتقها تحليل وثائق سنودن ونشرها. ففي بريطانيا، يدور سجال حول المسألة هذه منذ اعلن رئيس جهاز الاستخبارات «أم آي 5»، أندرو باركر، ان دور الصحافة في تقصي حقائق الوثائق يقوض مساعي الاستخبارات السرية الرامية الى مكافحة الارهاب ومخاطر الامن القومي. ولكن «لوموند» شأن «غارديان» ترفض مثل هذا الاتهام. فالصحف الدولية التزمت مبادئ في النشر تلتزم مبدأ جوهرياً: الإحجام عن نشر تفاصيل عمل مجلس الامن القومي وعمليات مراقبته دولاً استبدادية مثل الصين أو مجموعات مسلحة خارجة على سلطة الدولة تهدد امن الدول. و«لوموند» تلتزم القواعد التي تبناها ادوارد سنودن وغلن غرينولد. ولواء هذه المبادئ هو المسؤولية. ولن تساهم هذه الصحيفة في تعريض امن الولايات المتحدة أو حلفائها للمخاطر. ولكنها ستسلط الضوء على برامج التنصت السري في بلد ديموقراطي على مواطنيه والحلفاء. وبعد أكثر من 12 عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول، التحدي هو الموازنة بين الامن الوطني والحريات العامة والحق في المعرفة والوصول الى المعلومات. ولا يخفى التناقض في قضية سنودن. فالمستشار السابق الذي تلاحقه العدالة الاميركية، لجأ الى نظام قمعي. ولكنه أعلن في مقابلة نشرت اخيراً في «نيويورك تايمز» أنه لم ينقل وثيقة من وثائق مجلس الامن القومي الى السلطات الروسية او الصينية. وهو واحد من قارعي ناقوس الخطر إزاء ما يتهدد المصلحة العامة والديموقراطية، وهو ليس في خدمة قوى خارجية. وموقفه في محله. والوثائق «السنودنية» تبرز دور القوى التكنولوجية الجديدة في مد أذرع هذا «الاخ الاكبر» الكوني. وتمس الحاجة الى نقاش مترتبات هذه الظاهرة على الحريات الخاصة، والى تقييد عمل اجهزة الامن الحكومية بأُطر رقابة وضبط برلمانية وقضائية. ومثل هذه الاطر لم ترس بعد. * رئيسة التحرير، عن «لوموند» الفرنسية، 22/10/2013، اعداد منال نحاس