أكثر من 100 ألف مشرد، وأكثر من 3000 قتيل، وحوالى 10 آلاف مشوّه كانت حصيلة حرب الـ 100 ساعة بين دولتي السلفادور وهندوراس عام 1969، هذا إضافة إلى خسائر كبيرة في البنى التحتية في كلا البلدين! وليس بعيداً وتحديداً في 2009، حمي الوطيس السياسي بين مصر والجزائر، إلى الحد الذي دعا لإقامة المباراة الفاصلة التي تحدد الفريق المتأهل لنهائيات كأس العالم 2010 بين البلدين «الشقيقين» على أرض محايدة، تجنباً لتصعيد يفاقم الأزمة بينهما. ولأن المقام لا يتسع في ظل المناسبة المحتفى بها سعودياً إلى الحديث عن مآسي هذه المستديرة التي تعلقت العقول بها إلى حد الجنون، فسأكتفي بهذا القدر من الدلالة على أهمية كرة القدم في حياة الشعوب. وكأي المُهمات، تحولت هذه الرياضة بفعل رأسمالية العالم الجديد إلى تجارة تدرّ أرباحاً كبيرة على منظمي مثل هذه المناسبات، وأخذت في استحلاب جيوب عشاقها، بدءاً من قمصان الفرق التي تتبدل مع كل موسم، مروراً بالقنوات المتخصصة المشفرة، ووصولاً إلى تذاكر حضور المباريات، مستغلة في سبيل ذلك «نجوم» اللعبة. هذه هي الحال اليوم مع كرة القدم، مهووسون واستغلاليون، ويبقى الفرق بين مستديرتنا ومستديرة العالم في أن التي لدينا غير منتجة على الإطلاق، ويستفيد منها فقط لاعبون في مرتبة إقطاعيين، لا يحصدون، لكن نهمهم في استنزاف نتائج الحصاد لا يتوقف عند حد، باشاوات، لا خير فيهم في المحافل الدولية، ولا كفاية شرهم في الملايين التي تتكبدها أنديتهم، عالات، إلا نوادر في تاريخ الاحتراف في السعودية، يعدون على أصابع اليد الواحدة بلا أدنى ظلم أو تجنٍّ على السواد الأعظم المتبقي، الذين هم غثاء كغثاء السيل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لسان حالهم يردد من فوق أبراجهم العاجية مقولة شاعر العرب الخالد أبوالطيب المتنبي: «أنام ملء جفوني عن شواردها... ويسهر الخلق جراها ويختصم»! في لندن، نعم هناك، بعيداً عن قلوب عشاق فريقي الهلال والأهلي أقيمت مباراة السوبر السعودي أمس، أما لماذا؟ فيجيب اتحاد اللعبة عن ذلك بمسببات منها، أولاً: تسليط الضوء على المنافسات الكروية السعودية، وتقديمها بصورة جيدة للعالم. تجدر الإشارة هنا إلى أنه لا قنوات أجنبية ستنقل الحدث، وإلى أن الأجانب الوحيدين الذين حضروا مباراة السوبر الماضي بين الهلال والنصر في لندن أيضاً، كانوا فقط من الشرطة الإنكليزية المسؤولة عن حفظ الأمن في مثل هذه المباريات! ثانياً: إبراز قدرات اللاعبين السعوديين ومواهبهم، واستثمار هذه المناسبة للتسويق للاعبين واللعبة والمنافسة. كلام كبير، لا يقل بهرجة عن سابقه، والرد عليه في عدد اللاعبين السعوديين الذين احترفوا في الخارج بعد السوبر الماضي، حيث بلغ صفراً مكعباً، مع مرتبة الشرف الأولى، بلا مفاوضات مع أي من المشاركين فيه أو سواهم. ثالثاً: منح الفرصة للمبتعثين وللأشقاء العرب والأصدقاء من «دول العالم كافة» لمتابعة هذه المباراة! بغض النظر عن المبتعثين، فإن بقية الحديث تمت الإجابة عليه أعلاه، إلا أنه مما يصدق فيه معنى قول المتنبي - مع التصرف والاعتذار لشعره ومحبيه - لكنها ضرورة الموقف: وكم ذا في اتحاد كُرتنا من المضحكات،،، ولكنه ضحك كالبكاء! مبررات لا تمت إلى واقع الرياضة في السعودية بأي «صلة»، ويبقى مبرر الشركة المنظمة التي حسبتها تجارياً هو الأكثر إقناعاً بين الأسباب، فالعائد المادي الضخم لا يقارن بمثيله من مباريات «الدربي» و «الكلاسيكو» - بحسب اصطلاحات الرياضيين - إذ تعدى في السوبر الماضي حاجز الـ 12 مليون ريال، كأعلى دخل في تاريخ المباريات السعودية، على رغم أن ملعب المباراة - الذي لم يمتلئ - يتسع لـ 18 ألف متفرج فقط، وهو ما يعني أن تذاكر المباراة في السعودية ليست في مستوى طموح الشركة، التي تسعى نحو فائدتها، وهذا حق من حقوقها لا غبار حوله، سوى ما تمت إثارته بالواهيات من الأسباب آنفة الذكر. جدلية نقل مباريات الفرق السعودية خارج حدود أحضان عشاقها، تبقى في إطار الأخذ والرد، بين مخابر البسطاء وذوي الدخل المتوسط الذين يشكّلون غالبية مجانين الرياضة في العالم والسعودية، وبين مظاهر «فشخرة» الخليجيين المصطنعة، في الملبس والمأكل والمشرب وحتى المركب، التي تجلّت عنها المباراة السابقة، وتئن لندن تحت وطأتها مع حلول كل صيف. ويبقى مقارنة إقامة سوبرنا هناك، بما عداه من «من مباريات السوبر» العالمية التي تقام في شرق الأرض ومغربها، مما يذكرني إلى حد كبير بإطلاق كلمة «مزاين» في غير مكانها، مع الاحتفاظ بكامل التقدير لعشاق الإبل وملاكها. F-ALASSAF@