بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، وملايين القتلى والجرحى والمهجرين والمشردين والمفقودين السوريين، اعترفت الولايات المتحدة، عبر وزير الأمن الداخلي الأميركي بأن الحرب الأهلية في سوريا، باتت «مسألة أمن قومي» بالنسبة لأميركا وحلفائها الأوروبيين. السعودية من بداية الأزمة السوداء في سوريا وهي تقرع أجراس الخطر، وتنبه العالم لخطر الإهمال والتسويف، خوفا من تحول سوريا لمركز جاذب للإرهابيين بسبب عجز العالم عن حل المشكلة. لكن لم يصغ أحد. وصل الخطر إلى نسيج المجتمعات العربية ومنها السعودية، واتخذ دعاة التطرف وأنصار الجماعات الدينية الدموية كـ«داعش» و«النصرة» من الساحة السورية مسرحا للتجنيد والتعبئة. هنا كان الأمر الملكي السعودي الأخير، حازما وحاسما في قطع الطريق عمّن يريد المتاجرة بعواطف السعوديين تجاه مأساة الشعب السوري، أو حرف قضية السوريين عن مسارها الوطني الإنساني إلى مسار متطرف مغامر، يريد إشعال الحرب الدينية في كل مكان. خلف هؤلاء المنضوين في جماعات «داعش» و«النصرة» في سوريا، وأمثالهما في اليمن وأفغانستان والصحراء الكبرى وسيناء مصر. خلف هؤلاء عمق ممتد في المجتمعات من ممولين ومجندين ومروجين للدعاية. كان لا بد من مواجهة هؤلاء، ليس بالتلميح في فتاوى علماء الدين المناهضين لهذه الجماعات فقط، بل كان لا بد - مع هذا - من وضع مسطرة قانونية واضحة، ورسم خط بيّن على الأرض يعاقب من تعداه. الأمر الملكي واضح وهو ينص على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 20 سنة، كل من شارك - كائنا من كان – في القتال الخارجي أو انتمى للجماعات المتطرفة أو دعمها بالتمويل أو الدعاية أو ساهم معها بأي صفة. وإذا كان الفاعل لهذا من القوات العسكرية فتكون العقوبة أغلظ. من أجل رسم خط فاصل للناس على الأرض وجّه الأمر الملكي بتشكيل لجنة حكومية تشترك فيها عدة وزارات مع الادعاء العام وديوان المظالم، تعد قائمة، يعتمدها النظر الملكي، تحدث دوريا بهذه التيارات والجماعات. الأمر كان حاسما واتخذ صفة المتابعة والسرعة من خلال تكليف وزير الداخلية بالرفع للملك (أولا بأول) كل شيء يخص تطبيق هذا الأمر ومجريات الضبط والتحقيق والإحالة. ومن خلال النص على العمل بهذا الأمر بعد 30 يوما من نشره في الجريدة الرسمية. هذه نقلة سعودية كبرى على المستوى التشريعي والسياسي والإعلامي والاجتماعي لمواجهة قوى التطرف داخليا، لكنها لم تأت من فراغ، بل هي استمرار لنهج سعودي، ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الحكومة السعودية عن قانون أو «نظام» رسمي لمكافحة الإرهاب، يحدد معناه، ويفصل صوره، ويوضح عقوباته. ونص بيان مجلس الوزراء حينها على أن يراعي هذا القانون الجديد «التوازن بين الأخطار التي تؤول إليها تلك الجرائم، وحماية حقوق الإنسان التي حفظتها الشريعة الإسلامية». السعودية هي صاحبة مبادرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وهي صاحبة الجهود المؤثرة على مستوى العالم، من خلال التعاون الأمني الاستخباري، والسياسي، لمكافحة جماعات الإرهاب الديني، بسبب الخوف على استقرار السعودية وبسبب الخوف على سمعة الإسلام أيضا وبسبب الخوف على الاستقرار في الإقليم والعالم. السعودية حين تكافح الإرهاب وجماعات التطرف داخليا وخارجيا، فهي تمثل نهجها وتتمثل ذاتها، وليست تناور بورقة الإرهاب كما يفعل غيرها.