بيروت: فيفيان حداد «نيّالكن شو مدللين انتو ببيروت»، عبارة لطالما سمعناها من مغتربين لبنانيين أو من سيّاح أجانب عند زيارتهم للبنان. فبدءا من خدمة الـ«فاليه باركينغ» التي نجدها حتى أمام الأفران مرورا بـ«البريد السريع» ما بين شارع وآخر وصولا إلى خدمة «الدليفري» لأي منتج يريدونه يعدها زوّار لبنان من عناصر الرفاهية. صحيح أن هذه الرفاهية تبدو للبعض بمثابة «سكّر زيادة» في بلد يشهد أوضاعا أمنية غير مستقرّة، إذ يعدونها إكسسوارات لا تتناسب والأجواء القاتمة التي يعيشها سكانه، إلا أنها تبقى بالنسبة للبنانيين أنفسهم فسحة دلال تزوّدهم بحفنة من الرضا. فظاهرة خدمة التوصيل المنزلي أو الـ(دليفري) كما هي معروفة عالميا، قد نجدها في بلدان أخرى ولكن ليس بهذه الكمية والنوعية. واللافت أنها انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة حتى باتت تطال مجالات لم تكن في الحسبان. فبعد أن راج هذا النوع من الخدمات بما يتعلّق بالوجبات السريعة والمصبغة والبريد السريع وغيرها، كثر وجود الـ(دليفري) لخدمات حياتية أخرى. فالحلاق النسائي صار يأتي المنزل ليصفف شعر ربّة المنزل أو يحلق ذقن زوجها. أما تقلّيم الأظافر وتلوينها فبات من ركائز برنامج المرأة اللبنانية أسبوعيا، بحيث تزورها صاحبة هذه المهنة في منزلها بناء على موعد يحدد معها سابقا، بدل أن تتكبد عناء الذهاب إلى مركز تجميل لهذه الغاية. كذلك الأمر بالنسبة لبعض التعاونيات الكبرى (سوبر ماركت) التي أضاف أصحابها خدمة جديدة إلى لائحة ترويج منتجاتهم ألا وهي إيصال أي مشتريات يرغب فيها الزبون إلى مكان إقامته. كل هذه الخدمات التي تدور في مسافات لا تتعدّى بضعة كيلومترات، تطوّرت اليوم لتشمل إيصال الدواء والنرجيلة ومؤخرا غسيل السيارات. فرغم أن قانون الصيدلة يمنع ممارسة هذه الخدمة على الأراضي اللبنانية، فإن بعض الصيدليات سمحت لنفسها بتقديمها لزبائنها بحجّة أنها تكملة للرسالة الإنسانية التي تحملها. فبرأي الصيدلي هشام في منطقة المزرعة أن الدواء هو حاجة ملحة قد تتسبب في وفاة إنسان إذا لم تؤمن له في الوقت المناسب. «آلو وحياتك بدي دواء مضاد للالتهابات وواحد شامبو وعلبة مسكّن للصداع» هذه الطلبية التي وردت إلى إحدى الصيدليات في الأشرفية، قد تكون عادية بالنسبة للبعض إلا أنها بالنسبة لنقابة الصيادلة هي مخالفة واضحة لقانونها فيما لو جرى تنفيذها. فحسب النقابة أن هناك أسبابا كثيرة تمنع السماح بهذه الخدمة كالتهريب والترويج الإعلاني لدواء معين، وما إلى هنالك من مضاعفات قد تحصل من جراء إيصال الدواء الخطأ للشخص غير المناسب. أما خدمة إيصال النرجيلة التي أصبحت موضة رائجة في الآونة الأخيرة، فتلبي حاجة المدمن على تدخينها بأسعار متدنية (نحو الخمسة دولارات) وبأسرع وقت ممكن. فهي تلبي أيضا من يستخدمها صباحا أو مساء بحيث يوصلها المحل المختص بتحضيرها مع توابعها من نارة وتنباك وملقط ومباسم بلاستيكية. كما أنه يؤمنها على كل النكهات (تفاحتان وليمون ونعناع) وغيرها. وتجد ربّات المنازل في هذه الخدمة وسيلة مريحة تقيهم من طلبات أزواجهن الملحّة لتدخينها عند المساء أو في عطلة نهاية الأسبوع. ويؤكد ميشال نون صاحب أحد محلات توصيل النرجيلة إلى المنزل في بيروت، أنه يهتم شخصيا بنظافة النرجيلة المرسلة إلى منزل الزبون بدءا من المياه الموجودة فيها، مرورا بنوعية الفحم المستخدم ووصولا إلى نبريج التدخين الذي يطالب بعض الزبائن بأن يكون جديدا، فترتفع كلفة الفاتورة عليه لتزيد نحو الدولار الواحد. أما الخدمة المنزلية الجديدة التي وجدت لها طريقا ما بين اللبنانيين فهي غسيل السيارات. فإذا كنت مسترخيا في منزلك ولا تريد قطع عطلتك الأسبوعية فقط لهذا الهدف، ما عليك سوى الاتصال على أرقام تليفون خاصة بشركة «جاست واش» التي تتعاطى مع هذا الموضوع بجدية. فصاحبها ارتأى القيام بهذه الخدمة في خطوة تصبّ في الحفاظ على البيئة. تتمثّل هذه الخدمة بغسيل سيارات الزبائن في الأماكن المتوقفة فيها أي في مرأب مبنى، أو أمام مكتب العمل أو في أي مكان آخر بناء على طلب الزبون. وترتكز هذه الخدمة على استعمال كمية قليلة من المياه لا تتعدى الكوب الواحد، عبر استخدام مواد طبيعية مؤلّفة من أعشاب طبيعية وبيئية مستوردة من هولندا. تنظّف السيارة من خلال إنشاء طبقة تعادل نحو نصف ملم من الشمع تحافظ على «دهان» السيارة ثم يجري مسحها بقطعة قماش. أما كلفة هذه الطريقة المتبعة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ودولة الإمارات العربية، فلا تختلف عن العادية المتبعة في محطات تعبئة البنزين، وتصبح أقل إذا ما اختار الزبون اتباع الاشتراك الشهري فيها، بحيث يحصل على خدمة أسبوعية في هذا الخصوص مقابل مبلغ 35000 ليرة لبنانية (32 دولارا). ويقول صاحب هذه الخدمة الأولى من نوعها في لبنان وسيم زيدان: «لدينا فريق مدرّب يتنقّل على دراجات تعمل على البطارية محافظة منّا على البيئة، فيتوجه وحسب الطلب عند الزبون وذلك وفقا لمواعيد محددة معه سابقا». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نقوم بهذه الخدمة بمؤازرة محافظ بيروت الذي شجعنا عليها، أما في حال حصول أي ظرف طارئ كانهمار الشتاء مثلا أو لغياب الزبون لسبب ما فإن الموعد يعاد تحديده بالتعاون مع الزبون». من هم زبائن هذه الخدمة ؟ يردّ: «جميع اللبنانيين من مختلف الشرائح والمستويات الاجتماعية، ومنذ شهر أغسطس (آب) الماضي حتى اليوم قمنا بغسيل أكثر من ثمانية آلاف سيارة». كل هذه الخدمات التي توفّر على الزبون عناء الوصول إلى مطعم ما أو مركز تجميل أو محطة بنزين أو حتى إلى صيدلية وسط زحمة سير خانقة، سهّلت حياته لتصبح طلباته بمتناول يده بأقل وقت ممكن لا يتعدّى أحيانا الدقائق الخمس. ورغم أن عناوين الترويج لهذه الخدمات تتنوع ما بين «خدمة مجانية» أو «خدمة سريعة» فإن اللبنانيين يفضلون إعطاء الشاب الذي يوصلها أقله مبلغ 1000 ليرة لبنانية كنوع من «البقشيش» له مقابل قيامه بهذه الخدمة. ويقول الشاب أمين الذي يعمل في هذا المجال منذ سنتين لصالح أحد المطاعم: «أحيانا يتكرّم علي الزبون بأكثر من هذا المبلغ فيصل إلى خمسة آلاف ليرة لبنانية وأحيانا أخرى لا يكلف نفسه عناء مدّ يده إلى جيبه لأنه غير مجبر على ذلك». قد يعد البعض هذه الخدمات قمة الكسل التي يمكن أن تصيب الشخص التي يتلقاها، إلا أنها بالنسبة لآخرين بمثابة رمز من رموز الرفاهية بامتياز. ويقول اسطفان بستاني أحد الطلاب الجامعيين في لبنان والمدمن على طلب خدمات التوصيل المنزلي: «لا أدري لماذا ينزعج البعض من تعلّقي الكبير بهذه الخدمات، فهي من ناحية توفّر على والدتي عناء تحضير العشاء لي في ساعة متأخرة من الليل، كما أنها تهدئ من روع والدي الذي يفضّل أن أبقى في البيت وأمارس هوايتي في الـ(delivery) بدل التعرّض لحوادث الانفجارات».