أكد فضيلة الشيخ أحمد البوعينين أن عيادة المريض وزيارته من الآداب الرفيعة التي حثّ الإسلام المسلمين عليها وجعلها من أول حقوق المسلم على أخيه المسلم. وقال إن عيادة المريض تعتبر من سبل التأليف بين القلوب التي امتنّ الله تعالى بها على عباده المسلمين، حيث قال في كتابه الكريم: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد صهيب الرومي بالوكرة أن عيادة المريض تشعره عند مرضه بروح الأخوة الإسلامية، فيكون ذلك سبباً في تخفيف آلامه وأحزانه، وتعويضه بعضاً مما حرمه من القوة والصحة، ولفت إلى أنه كان من أدب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، وإن كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً في أهله، وإن كان حاضراً زاروه، وإن كان مريضاً عادوه. حق المسلم وأضاف: السلف الصالح عرفوا أن للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: قِيلَ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ. أخرجه أحمد والبُخاري"، وفي حديث آخر حق المسلم على المسلم خمس: رد التحية، وإجابة الدعوة، وشهود الجنازة، وعيادة المريض، وتشميت العاطس. وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وَنَهَى عَنْ سَبْعٍ، قَالَ: نَهَى عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَآنِيَةِ الذَّهَبِ، وَعَنْ لُبْسِ الدِّيبَاجِ، وَالْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَعَنْ لُبْسِ الْقَعسِّيِّ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَأَمَرَ بِسَبْعٍ: عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، واتباع الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي. أخرجه أحمد. فوائد المرض وتحدث الشيخ البوعينين في خطبته عن فوائد المرض فأشار إلى أن فيها طهارة للقلب من الأمراض، موضحاً أن الصحة تدعو إلى الشر والبطر والإعجاب بالنفس لما يتمتع به المرء من نشاط وقوة وهدوء بال، فإذا قيده المرض وتجاذبته الآلام انكسرت نفسه ورق قلبه. ونوّه إلى أن المرض فيه أيضاً تطهر من الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة، مستشهداً بما قاله العلامة ابن القيم رحمه الله: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء". معية الله وأشار خطيب مسجد صهيب الرومي إلى أن زيارة المريض فيها جلوس في معية الله عز وجل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. أخرجه البخاري. وذكر أن من فوائد زيارة المريض الفوز بصلاة الملائكة حيث إن الملائكة تصلي على العائد وتستغفر له، فعنْ أَبِي فَاخِتَةَ، قَالَ: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي، قَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَسَنِ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى، فَقَالَ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَعَائِدًا جِئْتَ، يَا أَبَا مُوسَى، أَمْ زَائِرًا؟ فَقَالَ: لاَ، بَلْ عَائِدًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَامِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ. أخرجه أحمد. الرحمة والمغفرة وأكد أن زيارة المريض تستنزل على العبد الرحمة والمعفرة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة. وأشار الخطيب على قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث "إذا عاد المسلم أخاه المسلم أو زاره لله عز وجل قالت له الملائكة طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً". وأوضح أنه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ: عَادَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَعَائِدًا جِئْتَ أَمْ زَائِرًا ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: بَلْ جِئْتُ عَائِدًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا بُكَرًا، شيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ عَادَهُ مَسَاءً، شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، كُلُّهُمْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ. وأخرجه أحمد ونوّه الخطيب إلى قول أحد العلماء: زر السجن مرة في العمر لتعرف فضل الله عليك في الحرية، زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخُلق، زر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والعافية، زر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة، زر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل، زر ربك كل آن لتعرف فضله عليك في نعم الحياة. الخطبة الثانية وفي الخطبة الثانية واصل الشيخ أحمد البوعينين حديثه عن آداب زيارة المريض، فأشار إلى أن منها اختيار الوقت المناسب، موضحاً أن بعض الناس يتعجّل عيادة المريض، لافتاً إلى أنه بمجرد سماعه أن فلاناً قد خرج من غرفة العمليات يذهب إليه مباشرة، رغم أن هذا المريض قد يكون بحاجة إلى الراحة، فيسبب له الناس حرجاً، والتوسط هنا هو المطلوب فلا نتعجّل الزيارة، كما لا نهمل فيها حتى يفوت موعدها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَعُودُ مَرِيضًا إِلاَّ بَعْدَ ثَلاَثٍ. أخرجه ابن ماجة. لذلك على الإنسان أن يختار الوقت المناسب للزيارة، فلا يختار وقتاً يظن أن المريض قد يكون نائماً فيه أو يكون ذلك وقت طعامه. وبيّن أنه على من يعود مريضاً أن يبدأ في السؤال عن حاله ولا يثقل عليه في السؤال، مشيراً إلى أنه عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَثَقُلَ، حَوَّلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرَّ بِهِ، يَقُولُ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ ؟ وَإِذَا أَصْبَحَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ ؟ فَيُخْبِرُهُ. أخرجه البُخَارِي. كما قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنِّى إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا، فَحَمِدَنِى عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا، وَيَقُولُ الرَبُّ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِى وَابْتَلَيْتُهُ، وَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. أخرجه أحمد .