احتفت وسائل الإعلام بخبر إنقاذ شرطة نيويورك 150 هراً محبوساً في منزل في ظروف سيئة لا يمكن قبولها، ما استدعى التدخل العسكري لحمايتها وتوفير سبل العيش الآمنة لها. المدافعون عن حقوق الحيوان كثر منذ بريجيت باردو، والحكومات «المتحضرة» تتسابق في ضمان أمنها وسلامتها ومعاقبة المعتدين عليها. كثيرون يغضبون من تشغيل الأطفال واستغلالهم ومحاسبة الأهل إن تشددوا في تربيتهم وملاحقة المعلمين إن ضربوهم، لكنهم صامتون حين تكون براميل بشار هي لعبتهم الوحيدة، وسكاكين الجماعات الإرهابية كتاب تعليمهم، أياً كانت نهاية الحال في سورية فإن المحصلة عشرات الآلاف من الأطفال اليتامى والمقعدين والمشوهين، أما الذين نجوا من القصف والحرق والهدم والجوع وأمراضه فإنهم سيكونون حالات نفسية مؤلمة، لشدة معاناتهم وأجواء الخوف التي عاشوها والركض المستمر بحثاً عن حياة غير آمنة. أطفال لم يكفهم التشريد فكان مصيرهم التعذيب والاستعباد في الملاجئ، أو تجنيدهم في أيدي أي جماعة تصطادهم ليكونوا ضحايا أهدافها ورغباتها. منذ 2011 لم يحظ هؤلاء الأطفال بأية عناية سوى نشر صورهم الحزينة، وعيونهم تستغيث طلباً لنجدة لم تأت، وأملاً في دفع شر لم ينقطع، لا يفرقون بين قاتلهم ومن يقدم لهم الحلوى، فطفولتهم لا تزال بريئة لم تخرج بعد من دائرة التمرة والجمرة. هم صناع الثورة وأول حطبها، وكلما زعم العالم نيته في إنقاذهم جاءه ما يشغله عنهم، فحيناً أوكرانيا ومرة الملف النووي ثم الملف الطويل المتشعب الجماعات الإرهابية. لا حنجرة لهم فليس لهم صوت، ولا وسائل إعلام تتذكرهم إلا مجرد رقم يتصاعد في أعداد الضحايا. يحمل أحدهم حقيبة متفجرات ظاناً أنها شنطة مدرسته، ويتلقى تربية دموية لا يمكن علاجها إلا بالموت. النساء المتباكيات على القطط تجف دموعهن عن هؤلاء الأطفال، لأن رقتهن لا تحتمل المناظر البشعة. العناية بالقطط جزء من التوازن البيئي، بينما موت الأطفال يقلص التكاثر ويبعد شبح المجاعة وشح الغذاء. الإرهاب مثل المنزل سيئ الظروف قد يهدد قطط نيويورك بينما هؤلاء الصبية لا يعرفون طرق التسلل وصناعة الدمار. طريقهم طويل وصعب، وإعادة تأهيلهم مكلفة، ومشاكلهم كثيرة أهمها وأبرزها إن منظرهم البائس يغتال ابتسامة النشوة ويكدر اللقاءات اللطيفة ويجرح الضمير الأخلاقي العالمي. أما صورهم المسكونة بالألم والحزن والحيرة فهي فرصة لنيل جوائز التصوير. في يوم إنقاذ القطط اختفت أخبار الأطفال الضحايا منعاً للتصادم، ولأن حضورهم يشوّه هذه البادرة الإنسانية، ثم إنهم يموتون يومياً وبكثرة، فلا عجلة في متابعة شأنهم فهم احتياطي لا ينفد، ومادة لا ينقطع تدفقها. في تلك الليلة السعيدة نالت القطط الغذاء والدواء، وربما تسابق محسنو نيويورك لرعايتها، أما عشرات الآلاف من الأطفال المشردين المرعوبين التائهين فربما كان أقصى أحلامهم أن يجدوا قطة تسد جوعهم، بعد أن عاشوا ظروفاً سيئة تؤدي إلى أن الموت جوعاً أحد السبل المبتكرة للقضاء عليهم إن نجوا من الحرق والقصف والقتل والمرض، وربما جعلهم ذلك ضمن الإرهابيين.