خيري منصور في آخر حوار نشر مع العالم الراحل د. أحمد زويل تدفقت الذكريات وكأنه يشعر بأن الحوار وداعي. قال إنه حاول مرتين أن يعود من أمريكا إلى مصر لإحساسه بالغربة وصعوبة الحياة اليومية، ومما قاله أنه كان يصارع البرد الموحش في شقة متواضعة مما يضطره إلى أن يرتدي ثيابه كلها ومعطفه أيضاً وينام بها! سيرته الذاتية نموذج لعصامي لم يعترف بالحظ إلا باعتباره تتويجاً للكدح ومواصلة الحفر في الصخر، ولأنه أول عالم عربي في الكيمياء يفوز بجائزة نوبل فقد كان الرد العربي الحاسم على مستشرقين أنكروا وجود شخصية اسمها في تاريخنا جابر بن حيان، كما أنه قدم ميدانياً تكذيباً لأطروحات عنصرية حول قصور العقل العربي. هذا الرجل عاش معظم حياته في جامعات أمريكا وقرأ الفلسفة والتاريخ والأدب، لم تقف سمفونيات بتهوفن وتشايكوفسكي وفاجنر وسائر السلالة دون ارتباطه الوجداني بأم كلثوم، يقول بأن صوتها كان على الدوام الخلفية التي تشعره بالأمان وهو في ذروة الاستغراق في العمل. وتشاء المصادفة أن يرحل أحمد زويل فيما تحتفل الجامعات التي عمل فيها بمناسبة مرور أربعة عقود على وجوده في أمريكا. وكان د. زويل قد عبر عن وفائه لمسقط رأسه بالمدينة العلمية التي حملت اسمه، لكنها تعثرت بحيث لم يتح له القدر أن يقطف ثمارها. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن جائزة كبرى كنوبل تحجب عشرات الجوائز الأخرى، والتي نالها زويل من مختلف جامعات العالم وليس من الولايات المتحدة فقط، أنه يستعد الآن للعودة إلى وطنه لكن وهو محمول على الأكتاف والأعناق فأمثاله لا يغيبهم الموت لأن قبورهم لا تتسع لهم ولما أنجزوه وحلموا به. من عرفوا هذا العالم عن كثب هم الأشد حزناً عشية رحيله، لأنه دائم الابتسامة، وشديد الشغف والحماس ومتواضع إلى الحد الذي ينسي من يحدثه أنه من عائلة المئة وسبعين رجلاً وامرأة الذين نالوا نوبل من بين سبعة مليارات إنسان.