عبَّر المشاركون في حلقة نقاشية نظمها مختبر السرديات الكويتي، عن تجاربهم الشخصية، واستشهدوا بقصص وروايات لعدد من الكُتاب قبل الاحتلال وبعده، والتي كانت منجزاً سردياً كبيراً. أقام مختبر السرديات الكويتي نشاطه الثالث في جمعية الخريجين، وكان عبارة عن حلقة نقاشية بعنوان "سرد تحت الاحتلال"، بمشاركة الأدباء ليلى العثمان، ود. سليمان الشطي، وحمد الحمد، وقام بتقديم الحلقة الكاتب فهد الهندال. من جانبه، تحدث د. سليمان الشطي عن الحرب والسرد كمفهوم قائلاً إن الحرب دائما في كل زمان ومكان تحدث هزات كبيرة في واقع أي إنسان، على المستوى الشخصي أو العام، مستشهدا بالأدب الجاهلي، "إذ كانت الحرب هي الأساس، وتسمى أيام العرب، لأنها تطول وتكون فوق الساعات". هوة كبيرة وتابع د. الشطي: لو عدنا إلى السرد الذي شهدته الساحة الكويتية في هذا الوقت، سنجده موزعا بين الحرب أو الاحتلال، إذ انتقل الكُتاب من حالة السكينة إلى مفاجأة الخوف والرعب، وعدم فهم ما حدث، فكلنا نسأل لماذا وماذا حدث؟ ثم بعد ذلك فتحت الهوة الكبيرة كما نلاحظ، وانفرج عن هذا الأمر أن من لم يكن يتحدث أراد أن يتحدث بعد الاحتلال أو خلاله، لكن نحس أنه بعد الاحتلال هناك طوفان لمحاولة الحديث، فالساحة الكويتية لم تشهد إنتاجا بهذه الوفرة كما حصل في السنة الأولى بعد الاحتلال، فتحرك الحس التعبيري، فمن لم يتحرك أراد أن يقول إن هناك شيئا غير طبيعي، وهناك من كان يملك الحديث، لكنه صامت، لأنه لم يكن هناك شيء فتحرك، وعليه شهدنا هذه الحالة. واستذكر د. الشطي من أدب الاحتلال، أن الكاتب المرحوم فهد الدويري كان ينتمي لفترة الأربعينيات والخمسينيات وتوقف عن الكتابة ما عدا محاولتين صغيرتين في أوائل الثمانينيات بعد شد وجذب، فهو إنسان ظهره للسرد والحياة الأدبية. ونفاجأ أن الدويري بعد التحرير مباشرة ينشر في فبراير 1992 رواية طويلة نشرت له في "الهدف" بعنوان "ريح الشمال"، وبهذا يكون عاد من الصمت، وأراد أن يتحدث، لأنه فوجئ بما حدث، وتضمنت الرواية جانبا تسجيليا وسرديا من خلال ثلاثة محاور. لحظة المفاجأة من ناحية أخرى، قدم د. الشطي نماذج أخرى، وقال: هناك من أراد أن يقدم لحظة المفاجأة، الاحتلال، لذلك يربط ما بين قبل وبعد، كما فعلت ليلى محمد صالح في قصتها "الياسمين والمدافع". ونجد أن من أرد أن يرصد العذاب داخل فترة الاحتلال، وأشير إلى عملين صغيرين، مثل قصة منى الشافعي "الجوع" تراوح ما بين جوع فأر، واختارت الجوع لتقدم جوع الفأر مع جوع البشر. أما بالنسبة لثريا في قصتها "الطابور"، فقد أعطتنا جانبا من هذه الجوانب. وقال د. الشطي: "أثناء الاحتلال وبعده هناك ثمرة حزن، وهم القتلى، وبالذات الأسرى، لأن القتيل هو الشهيد، فقد عرف، أما الأسرى، فظل الجرح. إذن ما بعد الاحتلال رأينا الكثير من القصص التي ركزت على معاناة ليس الأسرى، لكن على أهليهم. واستشهد د. الشطي بالروائي طالب الرفاعي، وقصته القصيرة بعنوان "أحزان صغيرة"، فقدم لنا حالة الفقدان، من خلال الزوجة وطفلها والزوج الأسير، ثلاثة أمامنا. إذن السرد أخذ حالة الاحتلال والصدمة والمفأجاه النفسية، ثم تصوير الواقع، وفي هذه المجالات كلها دار السرد في الكويت. تجربة شخصية بدورها، ركزت الأديبة ليلى العثمان على ملامح من تجربتها الشخصية، وقالت: مضى على هذه الذكرى 26 عاما، وأنا متأكدة أنه لم يتمكن أي كويتي وكويتية من نسيان ذلك اليوم، وبالدليل يوميا أي حديث يدور بيننا، نجد أن كارثة الغزو موجودة، فدائما نستعيد الذكريات، وأيضا نستذكر بعض الطرائف التي حصلت لنا مع المحتل. واستذكرت العثمان صوت أحد المذيعين، وهو ينادي "يا عرب، الكويت راحت"، ويستعطف مشاعر العرب، "وكانت تلك اللحظة من من أكثر الأصوات ألما التي سمعتها"، مشيرة إلى أن الحدث كان كبيرا، وشعرت باليتم في ذلك اليوم، لأن الوطن أغلى شيء بالنسبة لنا. ولفتت إلى أن شعب الكويت مسالم، لا يعرف الحروب، وحينما نرى في التلفاز الحروب والمشاهد الدامية التي تحدث بالمناطق العربية نتألم لها، لكن لم يخطر في بالنا أن يحدث لنا هذا الشيء، ونستعد له نفسيا، فلا توجد لدينا خبرة في التعامل مع الحرب أو الأسلحة. وأشارت العثمان إلى أنها تلبست شخصية الأم في رواية مكسيم غوركي عقب حدوث الاحتلال، وقالت لأبنائها لا أحد يمكث في البيت، فكل واحد منكم لديه عمل، وكل منكم يتوجب أن يدير عمله، لأن الكويت تحتاجكم اليوم. وعن روايتها "الحواجز السوداء"، قالت: تعطلت لديَّ الكتابة، وكنت أكتب رؤوس أقلام وأخبئها في برميل "العيش" أو تحت السجاد، وبعد التحرير التحقت بضحايا الحرب، وكنت أرى الحالات أمامي، فأطلقت العنان لتلك القصص. وأوضحت العثمان: في الليل كنت أحب الكويت القديمة، بسبب الحنين والوله، فأخذت مشاهد وصورتها، سنة الطاعون، وأنا أرى البلد موحشا وخاليا من الفرح، وأطلقت قصة بعنوان "الطاعون". وأضافت أنها كتبت القصص بعد الغزو "عندما ارتحتنا قليلا بدأت الكتابة، لكن لم تشفِ غليلي ولم تعطني أحساسا بأنني قدمت سردا بحجم هذه الكارثة، فكان لابد أن أكتب تجربتي الخاصة، فكتبت "يوميات الصبر والمر"، وسجلت كل ما حدث، والمشاكل التي صادفتنا". وتحدثت العثمان عن دورها مع د. غانم النجار والأديب إسماعيل فهد إسماعيل وأحمد العذبي في مقاومة المحتل. وبينت أن الأحداث كثيرة ومؤلمة، والذي يخص الوطن يظل أكثر شيء يؤثر في النفس، وعشنا شهورا مؤلمة جدا، وهي بالفعل "المر والصبر". «ليالي الجمر» أما الروائي حمد الحمد، فقال: لم يكن في فكري حينها أن أمسك القلم وأبدأ الكتابة مرة أخرى، بعد أن صدرت لي أول مجموعة قصصية عام 1988 وهي "مناخ الأيام"، لكن حدث أمر لم أكن أستوعبه، دفعني لأن أمسك القلم، وأبدأ بالكتابة فيما سماء الوطن ملبَّدة بغيوم من دخان آبار النفط المحترقة، "ما دفعي للكتابة هو أنني كلما التقيت أحد الصامدين، وخاصة في نطاق عملي وخارجه، سمعت جملة وتساؤلا: ما كتبت شيء؟". وتابع: كتبت قصص المجموعة من أبريل إلى يوليو 1991، وصدر كتاب في أكتوبر 1991، وكانت الكتابة غالبا كل مساء بقلم مرتجف غير مصدق أنه عاد لوطنه وبيته وأوراقه. وأضاف: أحداث كل قصة ملامحها حقيقية، وكانت من روايات الصامدين الذين استمعت لهم، لكن القصة الأولى في المجموعة كتبت قبل الغزو، إلا أن سطورها توحي بأن هناك كارثة ستحل بالبلاد. وأردف قائلا: أما القصة الأخيرة، فهي مستوحاة من مذكرات حقيقية كتبت بخط اليد أثناء فترة الغزو، كتبتها زميلة لي في العمل اسمها زينب حسين أكبر. في قصص المجموعة عرضت الجانب الإنساني، وتركت الجانب السياسي والعسكري الذي غطته وسائل الإعلام، ووفق علمي "ليالي الجمر" هي أول مجموعة قصصية تصدر عن الغزو في الكويت. وأشار الحمد إلى أنه تمت ترجمة بعض قصص المجموعة من قبل د. محمد فرغلي، وأيضا قام د. صلاح الدين سليم بتدريس إحدى قصص المجموعة، وهي "عودة أسير".