قبل أيام، نبهني أحد الأصدقاء لهاشتاق أطلقته الجمعية الملكية البريطانية (المهتمة بالعلوم الطبيعية) بعنوان #ScienceIsGlobal أي #العلوم_عالمية! وفيه دعوة من تلك الجمعية للباحثين والباحثات حول العالم لتعريف الناس بتنوع الجنسيات في المجموعات البحثية التي يعملون بها. العلوم عالمية لأنها تبحث عن إجابات لأسئلة قد تثير فضول أي إنسان مهما كان عرقه ولونه وعمره وخلفيته العلمية. بعضها أسئلة تلقائية قد يسألها الأطفال، وعادة ما تَبْهَت الآباء والأمهات والمعلمين لطبيعتها العلمية! وبعضها أسئلة دقيقة جدا جاءت امتدادا لتراكم المعلومات الناتج عن البحث العلمي المنتظم. وكما أن السؤال العام نفسه قد يخطر في ذهن كثير من الناس حول العالم (لماذا لون السماء أزرق؟)، فإن السؤال الدقيق نفسه قد يخطر في ذهن كثير من الباحثين في مختلف الأرجاء؛ لذلك تجد أحيانا باحثين لا تربطهم أي صلة يعملون على الأسئلة نفسها بتلقائية وليس عن تنسيق مسبق. هذه هي طبيعة العلوم وأسئلتها. وعندما يكتشف الإنسان شيئا جديدا عن الطبيعة والحياة والكون؛ فإن الإعلان الذي يذاع بلغة ما -عادة الإنجليزية- في قاعة صغيرة بجامعة في طرف من العالم يجد طريقه إلى صفحات الصحف المحلية في أطراف أخرى وبلغات مختلفة! العلوم عالمية لأنها تبحث عن معلومات وحقائق بطرق قابلة للتكرار وللتأكيد في أي مكان وزمان. وكثيرا ما تصل العلوم إلى حقائق مذهلة! بعضها يمهد لنا الطريق لتسخير الطبيعة لصالحنا، وبعضها ينضم إلى إرث الإنسان المعرفي. وزماننا هذا خير شاهد على ذلك. إذن هناك اهتمام بشري مشترك بالأسئلة والإجابات التي تطرحها العلوم والبحث العلمي عموما. وهو أمر يمكن استغلاله استغلالا إيجابيا وذلك بالتعاون المشترك بين الدول. إذ لا يمكن لأي دولة أن تنفصل عن البشرية وتقرر أنها ستكتشف الطبيعة بمعزل عن العالم. بل إن الدول المتقدمة علميا هي تلك التي تستقطب العلماء والباحثين على اختلاف جنسياتهم، وتتعاون مع غيرها من الدول. على أية حال، صحيح أن العلوم عالمية، ولكن بعض المجتمعات تغيب فيها قيمة العلوم بكل أبعادها (بحث علمي وثقافة) وبالتالي يصعب على أبنائها وبناتها أن يشتركوا مع العالم في ذلك الاهتمام. ولا يمكن لمجتمع أن يستفيد من العلوم كامل الاستفادة إذا كان يقلل من شأنها أو يراها مجرد اجتهاد بشري قابل للأخذ أو الرد في حين أنها سلاح معرفي يُرجّح كفة من يملكه. نحن في مجتمعنا مهيأون لإدراك عالمية العلوم وذلك بسبب كل التغيرات السياسية والاقتصادية الحاصلة اليوم، وقبل ذلك لأن آلاف المبتعثين والمبتعثات يدرسون مجالات علمية في الخارج، وبعودتهم واشتراكهم في مسيرة البحث العلمي، وفي التوعية العلمية ونشر العلوم؛ فإننا على موعد مع التطور الحقيقي والدائم. ولكن لكي تندمج العلوم في ثقافة مجتمعنا اندماجا كاملا، ولكي يدرك الجميع أنها عالمية وليست حكرا للغرب، فإننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي والخاص للبحث العلمي وللمتخصصين في العلوم، وما زلنا بحاجة لنرى إعلاما علميا محترفال، وما زلنا بحاجة لنرى المزيد من العلماء والباحثين في مجال التوعية العلمية ونشر العلوم. وهذه قضايا مهمة سأترك الحديث عنها ليوم آخر. أخيرا، أدعو من لا يصدق أن العلوم عالمية أن يزور الهاشتاق ليتأكد بنفسه! mbinjonaid@outlook.com 454