كثيراً ما أشفقنا على الدول التي تكتوي بنيران الطائفية البغيضة التي تقرض السلم كما يقرض الذنب الحسنات! ورأينا كيف سقطت دول بسبب الطائفية والفرقة. ما حصل مؤخراً في محافظة الأحساء من حادث إجرامي وقتل لنفوس بريئة (في قرية الدالوة) يعد اعتداءً آثماً وجريمة بشعة لا يمكن تخيلها، مما يؤكّد على ضرورة المطالبة بتطبيق أقسى العقوبات الشرعية على مرتكبيها؛ لأنهم لم يراعوا حرمة الشهر الحرام بإزهاق النفوس المعصومة وهتك حرمات الأمن والاستقرار والعبث بحياة المواطنين الآمنين. والحق أن ما قامت به يد الإرهاب هو نتيجة طبيعية للشحن العاطفي والتحريض ضد المواطنين الشيعة الذين كفلت لهم الدولة حقهم في العيش بسلام وسكينة واطمئنان، حيث يتقاسمون مع إخوانهم المواطنين خيرات البلد وينعمون بأمنه. ولطالما حذّرتُ وغيري من زرع الفتنة بين صفوف المواطنين، وتحدثنا عن خطورة الانقسام المذهبي وتوجسنا خيفة من نتائجه السلبية، وألمحنا إلى أنه سيستشري في مناطق أخرى إن لم يعالج الأمر بحكمة! فبلادنا مترامية الأطراف وتضم مذاهب متعددة، وتضرب الطائفية والقبائلية والمناطقية أطنابها في أركانها، وهناك من يسعى لتغذية الجانب السلبي لحاجة في نفسه فينبغي قطع الطريق عليه ورده عن غيه. ولا بد لكل حادثة من سبب، وسبب الفتنة التي تفتك بجسد أمتنا هو الخطاب الديني المتشدّد الجائر الذي يكفّر كل من لا ينضوي تحت لوائه، ويهمش كل من لم يسر بحسب هواه، وهذا أمر خطير، ليس على مستوى المذهبية فحسب، ولكن على المستوى الفكري أيضاً، حيث ينشط المتطرفون في بعض القنوات الفضائية وفئة من خطباء المساجد بتحريض الناس على المخالفين لرأيهم وإظهار كراهيتهم الشديدة لهم وقذفهم بأسوأ الألفاظ وأقذع العبارات. ولو وجهوا الناسَ لكيفية حوار المخالف وتبيان خطئه إن وجد، ومناقشته بالإحسان؛ لكان حرياً بوطننا أن يكون مضرب المثل بالتسامح والإخاء والتعايش السلمي، فنحن أولى من غيرنا كون بلادنا مهبط الوحي ومنار الهدى ومنبع الرسالة. ولا يعني التعايش موافقة الآخر أو الاتفاق معه رغم زللـه، ولكن يعني قبول العيش معه كمواطن بما يحمله من فكر وتوجه وحتى عقيدة مخالفة، وهكذا علمنا الإسلام بعيداً عن التشظي والفرقة والفتنة والقتل. وهنا أود التعبير عن مشاعري الإنسانية والعاطفية والوطنية ومساندتي لإخوتي الذين فقدوا أحبابهم نتيجة للفتنة والإرهاب، وأقدم التعازي لذويهم وللوطن. ولعلنا نتفق على احتمالية تكرار حادثة الأحساء في مدن عدة، وقد تحصل حوادث مضادة إن لم يوقف التحريض ضد الشيعة وتكفيرهم من لدن من يدَّعون أنهم الفرقة الناجية!!