ـ1ـ لا أعرف ألقابًا امتهنت كما امتهنت ألقاب ناشط وخبير ومفكر ومستشار وإعلامي وكاتب ودكتور وسياسي وحقوقي وداعية وواعظ وباحث ومحلل استراتيجي وحتى وجيه.. فقد وجدنا متطفلين كثر ولاعبين على كل الأحبال وهم كثر ايضًا، وقد اقتحموا ميدان الألقاب قسرًا وأسبغوا على أنفسهم هذا اللقب او ذاك، حتى تكاد البحرين أن تصبح كلها نشطاء، وخبراء، ومفكرين، وإعلاميين، وحقوقيين، ومحللين... إلى آخر القائمة وأصبحنا نمتلك مخزونًا من ثروة وطنية من هؤلاء الجاهزين عند الطلب، كثر منهم حتى لا نقع في فخ التعميم، يعبرون عن حالة من العبث والدجل والشطط، يرددون ما يحفظون، وما لا يحفظون، يتكلمون فيما لا يفقهون، وكأن كل واحد أصبح صاحب مهنة مرموقة، القنوات الفضائية تستضيفهم وهم جاهزون دومًا عند الطلب وفي أي وقت، والصحف تنشر لهم تصريحاتهم، والمجالس ترزهم، والمواقع الإلكترونية تتداول ما يقولونه بغض النظر عن قيمته وصار كل من هب ودب يتخفى وراء أحد تلك الألقاب، في الحفلات والاحتفالات والمحافل والمنابر والفضائيات لا فرق بين الغث والسمين، بين الحقيقي والمزيف، نحن لسنا ضد أولئك، ولكن ضد من لا يحترمون وعي الناس، ضد من يريد أن يفرض على نفسه قداسةً او استثناءً من نوع ما دونما أدنى استحقاق، ضد المتاجرين والمستفيدين والمستثمرين لأزماتنا، ضد من يرفعون شعارات الوطنية فيما هم يضربونها في الصميم ويبثون الضغائن، ضد من يستظلون بألقاب ليسوا جديرين بها، وهي الألقاب التي كنا نظن -رغم أن بعض الظن إثم- بأنه لا يمكن ان يتجرأ أحد بإطلاقه على نفسه، او أن يقبل بأن يسمى به هكذا بسهولة دون اي أساس او معيار، وكأن ثمة انفلات للمسميات والمعاني والمصطلحات والمعايير..!! وإذا كان علينا أن نلاحظ بأن سوق الألقاب الفضفاضة، سوق الفقاعات المتطايرة، سوق الشهرة العرجاء، أصبح للمرء أن يغرف منه ما يريد تحت ذريعة أنه ضرورة اجتماعية، او مكانة، او برستيج خاص، او إرضاء لغرور، او لحصد منافع او استثمار، او لخلط الأوراق من جانب ملتوي القصد والغاية، او ظنًا بأنه أحد صكوك الوطنية، او ربما بدافع فرض هؤلاء أنفسهم كشخصيات عامة او مقامات عليا، او لأنهم يرون في أنفسهم مصدرًا رائعًا للحكمة ويريدون القيام بدور النخبة، وعلينا أن نلاحظ أن كثر من هؤلاء أجادوا لعبة الميديا، وكثر منهم لم يكتب في فكر او فلسفة وجدناه أصبح بقدرة قادر مفكرًا، ووجدنا من لم يتفقه في أمور الدين والدنيا يروج لهم في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية بصفتهم مفكرين ودعاة إسلاميين، ووجدنا من لا يمتلك أبسط أساسيات العلم والفكر وهو يحمل الدكتوراه، ويكتشف الناس أنه يحملها بشهادة مزيفة او شهادة فخرية، ووجدنا في فضاء الـ سوشال ميديا من يثرثر على مدار اليوم يفتي في كل شيء وعالمًا بكل شيء، يحكم على القضايا والقرارات والأفعال، ويرمون الناس بما ليس لهم به علم، وجدناهم يتأبطون لقبًا من تلك الألقاب، كما وجدنا من عدَّ نفسه حقوقيًا وهو لا يفقه معنى العمل الحقوقي وأبعد ما يكون عن قواعد لعبة العمل الحقوقي الحقيقي، ووجدنا من وضع نفسه في خانة الوجهاء، ونسي او تناسى بأن الوجاهة ليست بشتًا اورزة في الصفوف الأمامية، بل مسؤولية، وان الوجيه هو ذو المكانة او الرتبة والقدر الرفيع بين قومه، ومن تتحدث عنه إنجازاته المجتمعية، فهل كل من أطلق على نفسه وجيهًا هو حقًا كذلك..!! يضاف إلى ذلك، هؤلاء الذين ظهروا لنا فجأة وهم يتقنون لعبة الإطلالة على الإعلام، في صورة خبراء استراتيجيين اقتصاديين وسياسيين وأمنيين، وباحثين ومستشارين، ومحللين متحذلقين، كثر من هؤلاء إن لم تكن غالبيتهم يخرجون من استديو لآخر، وكأنهم يتسابقون تباعًا في الظهور الإعلامي، ومنهم من باتوا يعدون أنفسهم أقطابًا ونجومًا، يمارسون ما وسعهم التنظير وتكرار الكلام الأقل من عادي، في السياسة، في الدين والمذاهب، في الاقتصاد والتنمية، في التخلف والتقهقر والازدهار والعجز والتراجعات، والأخطار والاستحقاقات، عن المشاكل والحلول والاستحقاقات، عن الحسابات التي أثبتت عقمها، والأعاصير التي ضربت بعض الدول القريبة وتداعياتها، عن الحاضر والمستقبل، عن حالنا وأحوالنا، إنهم على استعداد للخوض بالتحليل والتنظير في كل شيء، وليس في مجال محدد، كلام سطحي يعيدون فيه ويزيدون، أصبح تكراره في أبسط توصيف رتيبًا ومملاً وساذجًا، وأسوأ ما في أمر هؤلاء أنه لا يعرف لهم وظيفة او مهمة سوى إغراقنا في المزيد من الهلامية والمزيد من العبثية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى..!! ثمة خلاصة، بل خلاصات، أهمها أن الحديث عن أولئك الذين أحبوا أن يتصفوا بتلك الصفات هو استعراض لأحد أوجه عناصر الخلل في واقعنا، يكفي أن نتذكر مع إطلالة أي منهم مدى العبث الذي بات يعشعش في هذا الواقع، وقد نذهب الى أن منهم من يمثل مدرسة كاملة في الأداء السياسي الرديء الذي لا يفقه أبسط بديهيات الفكر السياسي الحصيف، يمكن أن يقول قائل العيب ليس في مدعو تلك الصفات، وإنما فيمن يدفعونهم الى مزيد من التمادي في مسلكهم حين يقدمونهم او يقبلونهم او يتقبلونهم بهذه الصفة، وهذه جزء من المشكلة. كم تحتاج عقولنا إلى إجازة من هذا الضجيج، والتخلص من الشعارات وأشباه شعارات الأدعياء.. المفبركين، المؤججين، المبررين، المسوغين، المحرضين، والمؤزمين، وهذا أمر لم يعد بحاجة الى شرح او إثبات، يكفي متابعة ما يطرحه ويثيره هؤلاء عبر أي منبر يطلون به علينا، ربما يكفي إطلالتهم هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي...؟ ـ2ـ بعض ممن يعملون في بعض الوزارات والأجهزة الخدمية، حين يشمون رائحة خروج معاملة بالحلال، أي من دون إكرامية او رشوة او هدية، يعطل المعاملة، يجمدها، يعقدها، يعرقلها، يدفع بها الى منحى مثير ومحير والذرائع شتى وجاهزة..!! من هم هؤلاء الفاعلون الصانعون للإعاقات والمعوقات والعرقلات لمعاملات ومصالح أصحاب الأعمال والناس..؟!! ومتى تنقشع ضواغط هؤلاء رغم كل الحديث عن كفالة سهولة الإجراءات والشفافية في إنجاز معاملات الناس والمستثمرين.. الموضوع مهم، وهو يحتمل أسئلة حساسة يتهامس بها الناس..!! ـ3ـ انعقدت القمة العربية، القمة الحاملة الرقم 27، انتهى التلاقي والالتئام والاجتماع، وصدر بيان ختامي أدان وشجب واستنكر ودعا ونبه ورفض وأكد، وكله كلام لم يختلف عن البيانات الختامية للقمم السابقة، وكأن كل ما هو مطلوب وملح أن تنعقد القمة، ألم يذهب بعض المنخرطين في القمة الى القول يكفى القمة أنها انعقدت ربما على هذا الأساس يسجل للقمة أنها كانت أصدق القمم العربية إطلاقاً في تمثيل واقع الحال العربي..!!