الآن، وبعد أن خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشكلت رئيسة الوزراء تريزا ماي حكومتها بتعيين (ترامب بريطانيا) بوريس جونسون وزيراً للخارجية، فان المحللين السياسين أنهمكوا في وضع تصورات لما هو متوقع من السياسة الخارجية، ليس فقط مع دول الاتحاد الأوروبي، وإنما كذلك مع الدول الأخرى التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع بريطانيا. لا شك أن تحليل نتائج الخروج في هذا الوقت يكتنفه الكثير من الصعوبات، وقد يكون من السابق لأوانه للحديث في الاحتمالات رغم أن المختصين في التخطيط الاستراتيجي يبنون دراستهم على المعطيات الحالية التي منها يستنبطون شكل المستقبل... ومع ذلك، لا يبدو أن السياسة الخارجية البريطانية ستكون كما كانت، فالخروج من الاتحاد يتطلب تغيرات كثيرة تشمل دولاً عديدة لها علاقات ببريطانيا، خصوصاً في مجالات التجارة والاقتصاد والأمن والسياسة، ولقد بدأت بوادر هذه التغيرات تظهر في العلاقة التجارية مع الهند. هناك تساؤلات كثيرة تعتمد على نتائج الإجراءات المطلوب اتخاذها مع الاتحاد الأوروبي لانهاء الخروج البريطاني، يتوقف البدء فيها على المملكة المتحدة، التي كما تدعي، بحاجة إلى زمن كاف للبدء بالمفاوضات بينما الاتحاد الأوروبي يريد انهاء الخروج من دون مماطلة. فما بين السرعة والبطئ في الاتفاق على انهاء مفاوضات الخروج، هل ستتفق الاطراف على المحافظة على مصالحها، خصوصاً وان بريطانيا شريك اقتصادي وأمني مع الاتحاد؟ تشير التحليلات السياسية إلى أن العلاقات البريطانية - الأوروبية، بالذات لم تكن كما يجب أن تكون، وهي التي دفعت بريطانيا إلى الخروج رغم علمها بالتداعيات. فبعض دول الاتحاد وبالذات فرنسا، صرحت على لسان وزير خارجيتها بأنها كانت تتمنى لو كان وزير آخر غير بوريس جونسون، المسؤول عن مفاوضات الخروج، كطرف مهم في المفاوضات، ولاسيما ان الصحافة الأوروبية أشارت إلى أن جونسون له سقطات كثيرة، وطريقته نافرة وفجة ولا يتمتع بالمصداقية والوثوق. بل ان الكثير من البريطانيين يرون أن جونسون غير جدير بتولي المناصب العليا في الدولة. ووصفت وكالة «بلومبورغ» الأميركية، جونسون بأنه «الأقل ديبلوماسية» على رأس الديبلوماسية البريطانية. ولعل الأكثر أهمية توقع الفتور في العلاقات البريطانية - الأميركية، خصوصاً وان جونسون وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه نصفه كيني، وشبه هيلاري كلينتون، المرشحة للرئاسة الأميركية، بأنها «ممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية». أما العلاقات البريطانية - العربية، فأتصور أنها لن تكون أحسن حالاً، خصوصاً وان وزير الخارجية البريطاني يدعم إسرائيل، ويبدي إعجابه بها، ويمنع مقاطعة بضائعها، وقد تطوع للعمل في الكيبوتز في الضفة الغربية قبل ثلاثة عقود من الزمن. المهم أن السياسة الخارجية البريطانية في المنظور المقبل ليس من السهل التكهن بطبيعتها، فالمتغيرات كثيرة، والسياسة عموماً لا تظل على حال واحد، فالعالم اليوم يعيش أزمات معقدة في سورية واوكرانيا والقضية الفلسطينية والارهاب، وتوترات في بحر الصين وغيرها، ما يحتم الأخذ بالمتغيرات، والتخوف من الخلافات على المصالح التي عادة تتصارع القوى الكبرى عليها... yaqub44@hotmail.com