قرأت افتتاحية المجلة العربية عدد 444 محرم 1434هـ نوفمبر 2013 بعنوان (تحريك الساحات الثقافية) تطرق فيها رئيس التحرير لجمود الحالة الثقافية المتاخم لثورات الربيع العربي وتساءل عن سبب ذلك مقارنة بحالة الإبداع الرائعة التي واكبت حروب 56 و67 و73 وحيرني بسؤاله في آخر المقال عن المثقف الحقيقي والمثقف المزيف، وجالت في خاطري أمثلة عديدة للمثقف الحقيقي الذي يقرأ ويفهم ويحلل ويستفيد مما يقرأ بل ويفيد الآخرين ويستمتع بذلك ويجعل رسالته نقل الوعي والثقافة للآخر أياً كان مذهبه أو دينه محافظاً على ثوابت الوطنية والدين وعلى قوميته. إن المثقف الحقيقي هو الذي يدافع عن المبادئ والمثل العليا، الذي يكون قدوة في مقاله وفعله، الذي يتعلم ويحاول التعلم دائماً وإذا تمكن علم، الذي يدافع عن وطنه وتراب وطنه وقضايا وطنه وقوميته وقضاياها، يعمل على إظهار الواقع للناس ليس شرطاً أن يكون قد قرأ لهوجو وطاغور وشكسبير وديكينز وديستوفسكي بل يكون قد قرأ واقع بلده وما يفيده فدافع عنه بإخلاص في مقالته وفي حواراته وفي مصنعه وحقله. المثقف الحقيقي الذي يلم بشؤون حياته، يتابع من حوله، يدرك دوره في المجتمع، يؤديه بإخلاص ليتقدم وطنه أياً كان عمله، فهناك الكناس المثقف والبائع المثقف والميكانيكي المثقف والطبيب المثقف والكاتب المثقف بل وهناك جهابذة من المثقفين كانوا كتاباً وشعراء لم يصلوا إلى مراحل متقدمة في التعليم ومع ذلك كان يلتف حولهم العلماء ومثقفو المثقفين ليسمعوا ويتعلموا منهم كمحمود عباس العقاد. المثقف الحقيقي له رؤية وبعد نظر وحس لا يفرط في قضايا وطنه، يقبل النصيحة، يعترف بالخطأ، يعتذر عنه وعلى النقيض فهناك المثقف المزيف الذي لا تراه إلا أمام الكاميرات يتحدث كثيراً ولا تخرج منه بشيء. يعمل لتوجيه الرأي العام لمصالح شخصية، مزيف يلبس أغلى الملابس المستوردة ويدعم بالقول الصناعة الوطنية، يركب أفخم السيارات العالمية ويناضل بالقول من أجل إنشاء مصنع سيارات وطني، يتقاضى راتباً بمئات الآلاف بل وبالملايين ويريد تطبيق حد أدنى للأجور لا يكفي لإطعام حيوان أليف وحد أقصى مفتوح، يتحدث عن حرية التعبير والرأي ويهاجم المقدسات والأديان، يريد المدينة الفاضلة قولاً ولا يريدها فعلاً، إنه المثقف المزيف الذي يلعب على كل الأوتار ليس له مبدأ توجهه المصالح والأهواء، يبهرك بثقافته الواسعة ونسق كلامه تتخطفه القنوات لكي يتحدث يصبح قدوة يقلده الكثيرون لذلك كثر المزيفون.