القاهرة: وليد عبد الرحمن لا يكف الرعب عن مطاردة المصريين، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، فما إن تخففوا منه قليلا مع التحسن النسبي للأوضاع في البلاد، حتى داهمتهم إنفلونزا الخنازير، وأثار انتشارها في عدد من المدن مخاوف جمة لدى المواطنين من تحول المرض إلى وباء يحصد المزيد من الأرواح، خاصة أن الإنفلونزا نفسها سبق أن هاجمت مصر منذ نحو خمسة أعوام، وأوقعت خسائر كبيرة بشرية ومادية. ومنذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وحتى أمس، ارتفع عدد ضحايا الإنفلونزا إلى 25 شخصا و195 مصابا آخرين، غير أن المتحدث باسم وزارة الصحة، الدكتور أحمد كامل، نفى تحول هذه الإنفلونزا إلى وباء، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المرض تحت السيطرة.. لا داعي لخوف الأسر من المرض، ووضع الفيروس في مصر مثل وضعه في أي دولة بالعالم، لكن البعض ضخّم الأمور». وبينما تواصل الأجهزة التنفيذية ومديريات الصحة بمحافظات مصر، رفع استعداداتها لمواجهة إنفلونزا الخنازير، تلقت منظمة الصحة العالمية من وزارة الصحة والسكان في مصر ما يفيد بزيادة نشاط الإنفلونزا الموسمية، حيث جرى الإبلاغ في بعض المحافظات عن إصابات تنفسية حادة، من بينها حالات تأكد أنها فيروس «إتش 1 إن 1» الذي كان وبائيا عام 2009. وقال مسؤولون في وزارة الصحة إن «وزارة الصحة تعقد اجتماعات مع منظمة الصحة العالمية لتلافي المرض». يزيد من حالة الفزع بين قطاعات عريضة من الأسر المصرية، التخبط والارتباك الواضح فيما بين أجهزة الدولة، ففي حين تؤكد وزارة الصحة ثبوت حالات انتشار الإنفلونزا، قالت مصادر مسؤولة في وزارة التربية والتعليم، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك احتمالية لتأجيل الدراسة بعد مد إجازة نصف العام إلى 22 فبراير (شباط) الحالي، بسبب الخوف من انتشار إنفلونزا الخنازير على نطاق واسع». لكن المتحدث باسم وزارة الصحة أكد أنه «لا حاجة لإغلاق المدارس بسبب المرض»، نافيا وجود إنفلونزا الخنازير في مصر من الأصل، قائلا: إن «تسمية الإنفلونزا بإنفلونزا الخنازير تعد تسمية خاطئة.. وإنها إنفلونزا موسمية». وعلى الرغم من تطمينات وزارة الصحة، فإن مشاهد الإصابات التي تنقلها الصحف والمواقع الإخبارية تؤكد عكس ذلك، وتقول نرمين أحمد (42 عاما): «الفيروس منتشر بشكل كبير في مصر.. ولا أحد يريد أن يعترف بذلك خاصة في المحافظات». وتتخوف نرمين على أبنائها الثلاثة من العودة للدراسة، بقولها: «لا يزال الوزراء في مصر يصرون على كلمة (كله تمام) والوضع آمن.. ولن أدع أولادي يذهبون للدراسة». وفي عام 2009، لقي مئات المصريين حتفهم، وأصيب الآلاف بسبب الإصابة بفيروس إنفلونزا الخنازير، واتخذت مصر، التي تعد الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في العالم العربي، سلسلة من التدابير لمكافحة فيروس إنفلونزا الخنازير، شملت قتل أكثر من 300 ألف خنزير، بعد ظهور المرض في بلدان أخرى. وتضاربت الأنباء بشأن وفاة أطباء بسبب الإصابة بإنفلونزا الخنازير، واتهمت نقابة الأطباء وزارة الصحة بالتكتم على ما سمته انتشار العدوى الفيروسية بين الأطباء، خلال تقديمهم العلاج للمرضى داخل مستشفيات وزارة الصحة، وهو ما نفاه المتحدث باسم وزارة الصحة قائلا إن «الأطباء الذين توفوا ليسوا مصابين بالإنفلونزا الموسمية.. وهناك حالتا وفاة بين الأطباء؛ الأولى لطبيب بسبب إصابته بعدوى بكتيرية، والثانية لطبيبة أُصيبت بتسمم حمل»، مشيرا إلى أن جميع الأطباء المتعاملين مع الفيروس يتلقون تطعيما بشكل دوري. ويقول مراقبون إنه «رغم تراجع الخوف طيلة السنوات الماضية من انتشار إنفلونزا الخنازير، فإن الرعب عاد من دون مقدمات، ومعه حالة ضبابية حول ما إذا كان الفيروس القاتل، هو الإنفلونزا الموسمية، أم أنه فيروس (إتش 1 إن 1) المعروف بإنفلونزا الخنازير». وهنا أكد أحمد كامل المتحدث باسم وزارة الصحة، أنه «لا يوجد أي تغييرات طرأت على فيروس الإنفلونزا الموسمية.. وليس الخنازير، وأنها ما زالت في الحدود العادية والآمنة، وهناك نظام صارم لرصدها بجميع مستشفيات مصر»، مشيرا إلى أن عدد الوفيات بلغ 25 والإصابات 195، وهي في إطار المعدل العالمي. ونفى المتحدث الرسمي للصحة ما تردد عن عدم وجود مصل للإنفلونزا الموسمية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن وزارة الصحة وفرت لجميع المستشفيات عقار الـ«تاميفلو» وهو متوافر أيضا في السوق المصرية بكثرة.. ومصر لديها فائض منه. وحول جدوى الحصول على المصل من الصيدليات تفاديا للعدوى، قال كامل: «لا داعي لذلك حتى لا يصاب الجميع بالخوف». وأضاف أن «الوزارة سوف تصدر بيانا أسبوعيا تعرض فيه كل المستجدات، وسيجري عمل حملات توعية عن طريق وسائل الإعلام». من جانبه، أكد الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق، أن «الموقف الحالي لفيروس الإنفلونزا لا يشكل وباء بأي حال من الأحوال، وأن الحالات التي تجري مناظرتها بالعيادات لم تشهد زيادات»، موضحا أن الوباء يعني تضاعف الحالات بشكل كبير خلال فترة زمنية محددة، وفي مناطق معينة.. «وهذا لم يحدث». وأوصى عوض بمراعاة القواعد الصحية أو النظافة البسيطة للغاية، وأولها عندما يصاب شخص بالإنفلونزا يُنصح بأن يجلس بالمنزل يومين أو ثلاثة، ليقي نفسه من المضاعفات، وعلى المريض في العمل أو المنزل أو مكان آخر أن يضع منديلا على الفم والأنف أثناء العطس، وغسل الأيدي بالمياه والصابون، وتلك تخفض احتمال نقل العدوى 50 في المائة. وتابع: «إذا أصيب المريض بأعراض حادة مثل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، أو أعراض عامة شديدة، أو صعوبة في التنفس، فعليه أن يلجأ فورا للفحص الطبي». وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن «إنفلونزا الخنازير» هو مرض تنفسي حاد وشديد الإعياء يصيب الخنازير أساسا. وتتمكن فيروسات المرض أحيانا من إصابة البشر مع الإنفلونزا الموسمية وغيرها من أنواع العدوى الحادة، على الرغم من عدم مخالطتهم للخنازير. ولا يزال السبب الحقيقي لهذا المرض بين البشر حول العالم مجهولا، منذ تشخيصه أول مرة، في الولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا في عام 2005.