فجرت عبارات «عنصرية» نشرتها صحيفة «طرح نو» الإيرانية ضد القومية الأذرية، موجة من الغضب في أقاليم أذربيجان الغربية، وأذربيجان الشرقية، وأردبيل، وزنجان، شمال غربي إيران، وخرج أمس، لليوم الثالث على التوالي، آلاف من الأذريين الأتراك في مناطق مختلفة للاحتجاج ضد الممارسات العنصرية. وشهدت المدن ذات الأغلبية السكانية الأذرية توترًا خلال الأسبوع الماضي، عقب نشر مقال ساخر في صحيفة «طرح نو» على لسان بطل رستم بطل الشاهنامة، وصف الأتراك بـ«العرق السيئ». وبينما نقلت مواقع محلية أمس أجواء التواجد الأمني في وسط مدينتي تبريز وأورمية، ذكرت أن الأوضاع «متشنجة» في أردبيل، ثالث أكبر المدن الأذرية في إيران. يشار إلى أن الشاهنامة إلى جانب قيمتها في تاريخ الأدب الفارسي، واعتبارها رمزا من رموز الثقافة الفارسية، إلا أنها تحمل مضامين عنصرية ضد العرب، وتعتبر نصوصها والرموز التاريخية فيها المرجع الرئيسي للتيارات العنصرية في إيران. وحصلت «الشرق الأوسط» أمس على بيان من جمعيات المجتمع المدني في الأقاليم الأذرية يدعو الأتراك إلى المشاركة الواسعة ضد الإساءات العنصرية. وأعلن عدد كبير من الناشطين في المجال الثقافي، والإعلاميين، وعدد من المسؤولين المحليين، احتجاجهم على ما نشرته الصحيفة. من جانبه، ذكر موقع «أويان نيوز» المحلي، أن السلطات اعتقلت الثلاثاء عشرات من الناشطين في أرومية وتبريز. الموقع ذاته شدد في تقارير على أن أكثر من 1500 شاركوا في مظاهرات شهدتها تبريز. وأضاف التقرير أن السلطات هاجمت المظاهرة بالغاز المسيل للدموع. من جهتها، نشرت المواقع المحلية مقاطع مصورة من تبريز، تظهر تعرض المتظاهرين للضرب على يد قوات الأمن. ويتعرض غير الفرس في إيران لممارسات عنصرية، وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية تعمل في مجال حقوق الإنسان، كما أن سجل العلاقات بين الأذريين الأتراك والفرس يحمل في طياته أحداثًا كثيرة، كانت المواقف العنصرية السبب الرئيسي في اشتعالها. وتعد هذه هي المرة الثانية خلال عام تخرج فيها مظاهرات غاضبة في المدن الأذرية ضد العنصرية. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أشعل برنامج «فتيلة» الساخر، في الرسمية الثانية، فتيل أزمة في ثلث الأراضي الإيرانية، بسبب إساءات عنصرية موجهة للأذريين. وكان البرنامج المخصص للأطفال تسبب في موجة مظاهرات في المدن الأذرية. وفضلا عن المدن الأذرية امتدت الاحتجاجات إلى طهران وقم ومحافظة جيلان. وأدت الاحتجاجات في بعض المدن إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، وكانت الجامعات نقطة الانطلاق للمظاهرات. وكانت المواقع المحلية قد تحدثت عن مئات المعتقلين بيد قوات الأمن بسبب مشاركتهم في «وقفات احتجاجية ضد العنصرية». الاحتجاجات وردة فعل المسؤولين الأذريين أجبر الإذاعة والتلفزيون على وقف البرنامج بعد أكثر من عقدين على بثه، كما قدم اعتذارًا رسميًا للأذريين. وكان برنامج قد سلط الضوء في إيران على العنصرية التي يتعرض لها غير الفرس في التلفزيون ووسائل الإعلام. كما أن البرلمان اعترف رسميا من خلال مناقشة الأزمة بوجود العنصرية في الداخل الإيراني. وفي 12 مايو (أيار) 2006، شهدت إيران واحدة من أكبر موجات التظاهر الغاضبة بعد 1979، حيث نزل الملايين من الأذريين الأتراك احتجاجا على كاريكاتير نشرته صحيفة «إيران» الرسمية. وردد المتظاهرون الغاضبون شعارات تدعو إلى استقلال أذربيجان، كما أضرموا النيران في مكاتب صحيفة «إيران»، ووكالة الأنباء الرسمية في تبريز وأورمية. حينها شهدت جامعات طهران وتبريز مظاهرات واسعة امتدت لأيام، واتجه المتظاهرون إلى القنصلية التركية في تبريز والسفارة التركية في طهران، للتعبير عن رفض الإساءات للعرق التركي في إيران. واتهمت إيران القوميين الأتراك والمعارضة الأذرية بالوقوف وراء الاحتجاجات، كما وجهت اتهامات إلى أميركا وجمهورية أذربيجان. بدورها، قالت وكالة أنباء حقوق الإنسان الإيرانية «هرانا»، إن السلطات أطلقت موجة اعتقالات خلال الأيام الثلاثة الماضية في تبريز وأردبيل وأورمية. ونقلت الوكالة عن شهود عيان أن المعتقلين تعرضوا للضرب على يد قوات الأمن لحظة الاعتقال. من جهته، انتقد نواب الأقاليم الأذرية خلال الأيام التي مضت، نشر الإساءات العنصرية ضد الأذريين في الصحافة الإيرانية. موقع «دورنا نيوز» المحلي، نقل عن ممثل أورمية روح الله حضرت بور، قوله إن الأذريين يتعرضون لإساءات متكررة. وذكرت «هرانا» أن القوات الخاصة التابعة للشرطة الإيرانية مدعومة بعناصر تابعة لأجهزة الأمن والمخابرات، انتشرت في المدن الأذرية الكبيرة لمنع خروج المتظاهرين. في غضون ذلك، أفادت مصادر محلية بأن السلطات وجهت تهمة «التحريض على الإخلال بالنظام العام والدعوة إلى التظاهر» لعدد من المعتقلين. ونوه «أويان نيوز» بأن السلطات استدعت عددًا من نشطاء المجتمع المدني ممن سبق اعتقالهم، لضمان عدم مشاركتهم في التظاهر. ويشكل الأذريون ثلث العاصمة الإيرانية طهران، كما يعتبرون ثاني أكبر قومية في جغرافية إيران بعد الفرس. وتقدر الإحصائيات الإيرانية الرسمية أن عدد الأذريين بين 16 في المائة إلى 25 في المائة من الإيرانيين، أي ما يعادل بين 12 إلى 16 مليونا، وفي المقابل يقول الأذريون إن عددهم يتجاوز 26 مليونا. إلى ذلك أدان «مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في إيران» في بيان أول من أمس الأربعاء، ما نشرته صحيفة «طرح نو». البيان اعتبر ما نشرته الصحيفة دليلا على أن الحكومة، وأغلبية المعارضة الإيرانية، ليسوا مستعدين للاعتراف بثلث المجتمع الإيراني. وندد البيان بالتمييز العنصري الذي يتعرض له غير الفرس، والاستناد على نصوص تكرس العنصرية بيد التيارات الماضوية في إيران. وأعرب البيان عن قلقه إزاء تنامي المشاعر العنصرية بين الإيرانيين، وتزايد نشاط التيارات العنصرية في شبكات التواصل الاجتماعي. وأشار إلى وجود قنوات في شبكات التواصل الاجتماعي تضم عشرات الآلاف من الإيرانيين أصحاب الميول العنصرية. ونوه البيان بأن الأتراك بموازاة العرب «هدف لسهام العنصرية العفنة» في إيران. بداية هذا الشهر، بيّنت دراسة لمجموعة من الباحثين في السويد شملت 80 دولة في العالم، أن إيران تحتل المكان الثاني عالميا بين الدول الأكثر عنصرية. وأوضحت الدراسة التي استندت على استطلاع رأي، أن إيران تنتهج سياسات عنصرية ضد العرب والسنة في إيران. الدراسة أشارت إلى منع العرب من ارتداء الأزياء المحلية، والحرمان من تعلم لغتهم الأم، وتغيير الأسماء العربية بأخرى فارسية. كما لفتت الدراسة إلى معاناة العرب في تولي المناصب الرسمية في إيران، مقارنة بالآخرين.