يأتي انعقاد القمة العربية الـ27 بالعاصمة الموريتانية نواكشوط في ظل تحولات خطيرة تعصف بالنظام الاقليمي، من خلال تمدد الإرهاب في المنطقة فكرا وتنظيما، ومن خلال كذلك ترهل الدولة المركزية بعد ما عرف بـ «الربيع العربي»، حيث أصبحت معظم الدول إما دولا فاشلة أو في طريقها إلى الفشل مما جعلها بيئة خصبة لتمدد التنظيمات الارهابية مستغلة عدم الاستقرار السياسي والترهل المؤسساتي. ورغم ان كثيرا من المراقبين يرى ان هذه القمة رغم الظرف الحرج والخطير لم تصل إلى سقف الطموحات والآمال المعول عليها وانا اتفق في كثير من هذا التحليل، الا انني اعتقد ان هناك ثلاث قضايا أساسية تتضمن كل منها عدة قضايا فرعية ناتجة عنها أو ذات صلة بها، تم التطرق لها بالقمة هي برأيي اساس كل القضايا: أولا: محورية القضية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية ستظل قضية الأمة العربية والإسلامية وان غابت فترة عن الاضواء لكنها لن تموت. في هذه القمة حضرت القضية من خلال تجديد الدعم لمبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك عبدالله رحمه الله في عام 2002، التي تهدف الى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل. وكذلك الترحيب بالمبادرة الفرنسية الداعية إلى عقد مؤتمر دولي للسلام قبل نهاية العام الجاري، والذي يمهد «لوقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية ويحقق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كاملة السيادة على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها الدولية»، وفق إطار زمني -وهو المهم-. وقد ذكرت في مقال سابق انه بعد ما سمي بالربيع العربي غابت القضية الفلسطينية سواء على المستوى الاعلامي أو على المستوى السياسي وذكرت ثلاثة اسباب رئيسية لهذا الغياب. انشغال الانظمة العربية بعد مخاض الثورات بقضاياها القطرية. فقضية الامن والتنمية والإصلاح اصبحت اكثر اهتماما من القضايا الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. الامر الثاني قضايا الارهاب والتطرف واسلوب مكافحته اصبحت لها صدى وصوت إعلامي يفوق في احيان كثيرة الصدى الإعلامي لمتغيرات الساحة الفلسطينية. الامر الاخير هو الانقسام الفلسطيني الداخلي بعد 2007 وظهور سلطتين سياسية الاولى في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح والثانية في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس، والصراع بينهما، مما افقد القضية الفلسطينية وهجها ومصداقيتها وتحولت من مقاومة للاحتلال الى صراع على السلطة. وبالتالي إعادة التذكير بمركزية القضية الفلسطينية في هذه القمة يعتبر اساسا لكل القضايا الاخرى. ثانيا: مكافحة الارهاب، وكما ذكرت انه في ظل هذه المرحلة الصعبة والخطيرة التي نعيشها يبرز هذا الملف باعتباره ابو الملفات بدون منازع. فالحوادث الارهابية الاخيرة سواء في المنطقة أو في العالم سواء في امريكا او أوروبا او تمدد الحركات الارهابية في بقية العالم، دليل على ان الارهاب لم يعد يهدد المنطقة فحسب، بل اصبح ظاهرة خطيرة تهدد العالم اجمع. ولم تعد اي دولة بمأمن من هذا الخطر الا بتعاونها مع بقية الدول وتبادل وتحليل افضل الخبرات لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. ولمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة برأيي هناك امران مهمان لابد من التركيز عليهما. الامر الاول يتمثل بضعف الدولة المركزية وهشاشتها مما جعلها مرتعا للحركات الارهابية. فكثير من الدول في العالم العربي كما ذكرت اما فاشلة او في طريقها الى الفشل وبالتالي لا بد من التعاون والتكاتف الاقليمي والدولي لإعادة الاستقرار السياسي لهذه الدول ودعم مؤسساتها مما سوف يساعدها على مواجهة تحدي الحركات الارهابية. الامر الثاني هو شق فكري متعلق بالخطاب الديني، وقد كتبت في هذا الموضوع كثيرا، فالإرهاب هو النتيجة الطبيعية للغلو والتطرف والتشدد. وبالتالي لا بد من دعم خطاب الاعتدال والوسطية ونبذ العنف بشكل عام. ثالثا: رفض التدخلات الايرانية في شؤون الدول العربية. فالظهور في القمة بمظهر الجبهة الواحدة المتماسكة فيما يتعلق بملف التدخلات الايرانية في الشؤون العربية مكسب مهم رغم تحفظ بعض الدول وتفسير تحفظها واضح بسبب هيمنة ايران على قرارها السياسي. وبالتالي لا بد من تفعيل آلية فعالة لمنع التدخلات الايرانية في شؤون المنطقة وتأخذ عدة مستويات. المستوى القانوني من خلال تصعيد هذه التدخلات قانونيا في المنظمات الاقليمية والدولية والسعي لاستصدار قرار أممي من مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات دولية عليها، لانتهاكها جميع الاتفاقيات والأعراف الدولية التى تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في سياساتها الداخلية. المستوى السياسي من خلال حشد دبلوماسي منظم مع الدول المؤثرة على ايران سواء روسيا او الصين للضغط عليها والحد من تدخلاتها. المستوى المالي وذلك من خلال ايجاد الية لتجفيف مصادر التمويل الايراني لخلاياها في دول المنطقة. المستوى الاعلامي من خلال العمل اعلاميا على ابراز ايران انها دولة خارجة عن القانون الدولي وتعمل على زعزعة امن واستقرار العالم، وانها بهذا السلوك هي من تدفع بشكل مباشر لظهور الارهاب بالمنطقة بكافة أشكاله. واخيرا المستوى الامني من خلال تبادل المعلومات الامنية والاستخباراتية لمواجهة التدخل الإيراني في المنطقة. واخيرا اعتقد ان العمل على ايجاد تسوية لهذه القضايا وما يتفرع عنها او ينتج عنها أو ذات صلة بها، هي برأيي اساس للوصول الى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني في المنطقة.