عندما خرج سوريون في تظاهرات سلمية في منتصف آذار (مارس) 2011، طالبوا خلالها بــ «إسقاط النظام»، وصفهم موالون للنظام بـ»المندسين»، ومن ثم إطلاق النار عليهم في محاولة منه لوأد هذا الحراك. ومع شعور نشطاء معارضين في دمشق وريفها بـ «خذلان المجتمع الدولي» واقتصار مواقفه على بيانات التنديد ظهر هتاف «يا الله منا غيرك يا الله». وبقيت فئة من الشعب صامتة وسميت حينها بـ»التيار الثالث» تختلف عن الموالين والمعارضين. لكن اللافت في دمشق وضواحيها والتي نزح إليها الكثير من سكان المناطق الساخنة، الإقبال المتزايد على المساجد وزحمة المصلين، لدرجة أنها تغص بهم في كثير من الأحيان، وإلحاح أئمتها وخطباء الجمعة بالدعاء، والتوسل إلى الله بأن «يفرج عن البلاد والعباد» و»إعادة الأمن والآمان إلينا»، وترديد المصلين بصوت عال «آمين». إمام أحد مساجد حي القزاز شرق العاصمة، الذي لم يشهد تظاهرات في بداية الأحداث، يقول بعد انتهاء الصلاة وهو في طريقه للخروج من المسجد: «الحرب أحرقت الأخضر واليابس، والعالم يتفرج علينا، ولا يبدو أن هناك بارقة أمل، ستنتج من المفاوضات. هي كالضحك على اللحى ليس لنا إلا الله»، بينما يتحدث أحد المصلين وهو يسير إلى جانبه بالقول: «بكفّينا. خلص. الناس ماتت من الجوع. تبهدلت. إلى متى. الله يفرّج». وبات من غير المستغرب، مشاهدة منتسبين إلى المليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام يؤدون الصلاة في مساجد أحياء العاصمة، بعدما كانت مسألة الذهاب إليها في بداية الأحداث تعتبر «شبهة» من وجهة نظر قوات الأمن والجيش، وقد تم اعتقال العديد من المواطنين حينها بسبب ذلك. وانطلقت التظاهرات في بداية الأحداث من المساجد عقب صلاة الجمعة، وعمد النظام حينها إلى حشد الشباب من مؤيديه أمامها، وتسليحهم بالعصي والجنازير من أجل فض التظاهرات من خلال الاعتداء على المشاركين، ووصل الأمر ليس فقط إلى الاعتداء على المصلين، وإنما على خطباء المساجد الذين لم يتمكن النظام من تطويعهم لمصلحته مثل الشيخ سارية الرفاعي خطيب مسجد الرفاعي في منطقة كفرسوسة، الذي سافر إلى خارج البلاد، ليغير النظام اسم المسجد بعد ذلك. كما عمد الجيش النظامي ومليشياته إلى تدمير وإلحاق الأذى بالعديد من المساجد التي كانت تخرج منها التظاهرات. وتقول إحصائيات أجرتها منظمات حقوقية إن عدد المساجد التي دمرها النظام تجاوزت ألف مسجد حتى الشهر الرابع من العام الماضي. وبحسب تصريحات مسؤولي النظام فإن عدد المساجد في البلاد تجاوز 25 ألف مسجد حتى العام 2010. وأكثر ما يلاحظه المرء في فترة ازدحام الطرقات بالمارة، أو في باصات النقل، وجود «سبحات» أو «عدادات رقمية» بأيدي كبار السن والشباب والشابات وحركة بسيطة دائمة على شفاههم. السيدة وسام، تسكن في بيتها في حي الميدان جنوب العاصمة، وهي في العقد الخامس من العمر، وأم لأربعة شبان، أحدهم يؤدي الخدمة الإلزامية في جيش النظام، ولم تراه منذ ثلاثة أعوام، واثنان منتسبين إلى مليشيا «قوات الدفاع الوطني»، لا تنفك عن الدعاء إلى الله بأن «يحفظ أبناءها من كل مكروه»، وتقول: «ولاد الناس راحت. النسوان ترمّلت. البنات عنّست. وبعدين (إلى متى)». وتضيف وهي ترفع نظرها وسبابة يدها إلى السماء «هو وحده القادر على تخليصنا»، بينما يقول عجوز في العقد السابع من عمره، وقد نزح من الغوطة الغربية إلى أحد أحياء دمشق الجنوبية الغربية: «تعبنا. تعبنا. الوضع صعب. خلونا نتنفس (نلتقط أنفاسنا)». في المقابل، يعتبر معارضون يعيشون في دمشق بأن الحرب هي التي تتحكم في سير الأمور في البلاد، وفرص نجاح الجهود السياسية ضئيلة لا بل معدومة لأن النظام لا يريد إنهاء هذه الحرب، وفي الوقت نفسه يسخرون من توجه «الصامتين» و»المولاة» إلى الله لإنهاء الحرب. معارض من منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي، فضل عدم ذكره اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية يقول: «الحرب ستستمر فترة طويلة. هو (النظام) يقول في الإعلام نقيض ما يضمره. مصمم على الحل العسكري والمجتمع الدولي أثبت أنه عاجز عن لجمه عن ذبح الناس». وإذ يعتبر المعارض، أن «الله وحده القادر على إنهاء هذه الحرب»، يصف فئة «الصامتين» بـ»المنافقين»، ويقول: «منذ البداية وحتى الآن لم يبدوا موقفاً. متذبذبين بين هذا وهذا. منافقون والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. ما زالوا يترقبون إلى أين ستذهب الرياح ليذهبوا معها». وأما «المولاة» بنظر هذا المعارض، فإن معظمهم «لا يعرف الله إلا عند الشدة»، ويقول: «الآن بعد أن ضاقت بهم معيشتهم، ومات أولادهم يدعون إلى الله. يصلون في المساجد وأبناؤهم يذبحون الناس. يسرقونهم. يخطفونهم. لا يتركون كلمة بذيئة إلا وينعتون بها المحجبات على الأفران... كيف سيتقبل منهم..!». من جانبه، خطيب مسجد معارض يعتبر أن من «يعرف الله حق المعرفة من الشيوخ وخطباء المساجد والأئمة، ويحترم نفسه إما اعتزل عمله أو سافر خارج البلاد، وإلا سيجبر على السير كما يوجهه النظام»، ويقول بعد أن فضل عدم الإفصاح عن اسمه: «ما من خطبة جمعة يلقيها شيخ في مناطق سيطرة النظام إلا ويكون بها توجيهات من النظام». وأعلن في آب (أغسطس) 2014 بإسطنبول عن تأسيس المجلس الإسلامي السوري، من نحو 40 هيئة ورابطة إسلامية في الداخل والخارج، برئاسة الشيخ الرفاعي.