العالم كله مصاب بفيروس الارهاب الديني، والسياسي، والثوري، فيختطف في كل فتره الحياة من بعض البشر بسبب أفكاره غير الأخلاقية وغير العقلانية مدفوع بوحشية المجهول الذي لا نعلم ما يخبئه لنا في المستقبل. بعد أحداث الارهاب في بلجيكا ونيس الفرنسية، وبعد كل حادثة إرهابية يتم إعادة طرح وصياغة الاسئلة المركبة التي تحاول فهم هذه النزعة العنيفة والمعقدة في أوساط المهتمين بقضايا الإرهاب، وخصوصاً في وجود معطيات جديدة باستمرار حيث أسفرت التحقيقات في حادثتي بلجيكا وفرنسا بأن المنفذين هم من جنسيات أوروبية وإن كانوا من أصول عربية إلا أن العبرة في المحيط الثقافي، والمناخ الاجتماعي الذي عاشوا فيه، بالإضافة الى أن عدد كبير من الملتحقين بداعش هم من جنسيات أوروبية ما بين عرب المهجر، والاوربيين المسلمين. حيث تحاول كثير من الاسئلة فهم تطرف هؤلاء بالرغم أنهم مواطنون لمجتمعات ذات سقف حرية عالي، وعدالة اجتماعية واضحة تتيح لك وإن كنت من أقليه مسلمة أن تصبح في مركز سياسي ، وتنفيذي ، وهذا ما حدث مع رئيس بلدية لندن (صادق خان) والذي نشأ في عائلة ذات مستوى اقتصادي قد يكون أقرب للعادي فوالده سائق حافلة وأمه تعمل في الخياطة أي أنه من طبقة العمال ، وغيره العديد من الأمثلة الغير قابلة للحصر مثل (نجاة بلقاسم) مستشارة الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي هولاند و(قادر عريف) الوزير الثالث للفرنسيين في الخارج، وهذا يعني أن هناك تواجد حقيقي للمسلمين في الوسط السياسي والاقتصادي الاوروبي وهذا قد ينقض ما جاء به أصاحب النظرية التي تحمل فكرة التهميش السياسي السبب الرئيس وراء تطرف الشباب العربي والمسلم في أوروبا وذلك لعدم واقعيتها. إن أحد أهم المحاور التي تلامس ما يحدث من تطرف الشباب المسلم الاوروبي هو ما ركز على مفهوم الهوية واشكالاتها والتي تعيد نفسها في المشهد الفكري والأكاديمي في العالم، وفي هذا السياق يجب أن نحاول فهم هذا النوع من الهوية الاسلامية التى جعلت من هؤلاء الشباب مادة متفجرة في بيئة تحترم المشاركة السياسية وتنمي الافكار والاختراعات وتضمن الحريات! فعلياً لا يشعر المسلمين في المجتمعات الاوربية باضطراب أو أزمة في الهوية وأنا أتكلم هنا عن المستوى العالي من الاضطراب والذي قد يولد العنف عند صاحبه فاضطرابات الهوية هي إشكال نسبي وطبيعي يكون في الغالب نتيجة الجوانب السلبية للعولمة وهذه النسبة الطبيعة لا يصاحبها بالعادة عنف ملحوظ. كما هو في المستويات العالية من اضطرابات الهوية التي تجعل من الشباب المسلم في أوروبا حانقين وعدائين مما يتيح للأفكار الارهابية أن تستولي عليهم والتي في العادة يتم تغذيتها بشكل عاطفي. إن أسماء مثل هاني السباعي وغيره من اللاجئين السياسيين في أوروبا من حركات الإسلام السياسي والجهادي والذي كان لهم تواجد خلال فترة الجيل الثاني والثالث للسلمين هناك ساعد في تفاقم أزمة الهوية لدى الشباب ، بالإضافة الى الدعاة السلفيين الذي كثُر تواجدهم في أوروبا في السنوات الأخيرة، بل أن أحدهم تم منعه في عام 2014 م من قبل القنصل البريطاني في جدة لدخول بريطانيا وقال إنه غير مرحب به ، ومن خلال قائمة طويلة من هؤلاء الدعاة الذين أربكوا المشهد الإسلامي في أوروبا ، بزج عقول الشباب في صراعات الشرق الأوسط من الطائفية وصراعات السلطة بل و إشباعهم بنظريات المؤامرة على الإسلام وهويتهم ، حيث لا أبلغ أن قلت أنه تم ترحيل أفكار الصحوة للقارة الاوروبية كما هي في التسعينات على أيديهم ، مما جعل بعضهم في حالة من عدم الاتزان الواقعي والذهني الذي بدأت أثاره بالظهور مع ظهور أول فكرة للدولة الإسلامية المزعومة داعش .