تواصلت حملة تطهير الجيش التركي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) الحالي وتوسعت أمس لتشمل الصحافيين. وألقت قوات الأمن التركية صباح أمس القبض على 40 مشتبهًا من العاملين في قيادة الأكاديميات الحربية بمنطقة بشيكتاش في إسطنبول في إطار التحقيقات الحالية حول محاولة الانقلاب الفاشلة. وقالت مصادر أمنية إنّ فرقا من مكافحة الإرهاب وأخرى من مكافحة الجرائم المنظمة تتبع مديرية أمن إسطنبول، داهمت للمرة الثانية مقر القيادة استنادًا إلى معلومات توصلت إليها عبر تحقيق أجرته عقب المداهمة الأولى التي جرت في 18 يوليو الحالي. وأوقفت الفرق خلال المداهمة 40 مشتبهًا، بينهم ضباط، فيما عثرت على الكثير من الوثائق الرقمية والحواسيب والملفات خلال تفتيش منازل المشتبهين. وتمّ اقتياد المشتبهين إلى مقر مديرية الأمن في إسطنبول في سيارات تابعة للشرطة، وأوضحت المصادر نفسها أنّ عمليات التفتيش ما زالت مستمرة في مقر قيادة الأكاديميات الحربية، وفي منازل المشتبهين. في الوقت نفسه، أمرت محكمة الصلح والجزاء المناوبة في إسطنبول مساء الأحد بحبس قائد أكاديمية الحربية البرية اللواء سليم مرت، وقائد أكاديمية الحرب الجوية اللواء رجب يوكسل ورئيس أركان قيادة الأكاديميات الحربية نوزات طاش دلار، وقائد أكاديمية الإدارة والعليا للقوات المسلحة بالأكاديميات الحربية اللواء علي آكيورَك، بالإضافة إلى تسعة ضباط آخرين. وقالت مصادر في النيابة العامة إن هؤلاء الجنرالات والضباط نظموا عملية اقتحام منزل قائد الجيش الأول، الفريق أول أوميت دوندار ومنزل قائد المدرسة الحربية البحرية اللواء مسعود أوزال. وبذلك ارتفع عدد الجنرالات الذين حبسوا على ذمة التحقيقات في محاولة الانقلاب الفاشلة في إسطنبول فقط، إلى 16 جنرالا. وفي تصريحات له عقب إفادته التي أدلى بها أمام النيابة العامة بأنقرة أمس الاثنين قال رئيس هيئة الأركان التركي خلوصي أكار، إنّ الانقلابيين أبلغوه بمحاولة الانقلاب لحظة بدئها، وإنّ جميع المحاولات التي بذلها لثنيهم عن هذه الفعلة باءت بالفشل. وأشار أكار إلى أنّ اللواء محمد ديشلي الضالع في محاولة الانقلاب الفاشلة أبلغه بأنّ الكتائب والألوية تحركت من مواقعها، وأنّ عملية الانقلاب بدأت وأنهم سيلقون القبض على الجميع. وأشار أكار إلى أنه حذّر ديشلي من مغبة فعلتهم هذه، وأنهم سيعاقبون على ما يقومون به، مطالبًا إياه بالعدول عن محاولة الانقلاب والامتناع عن توريط الآخرين في المستنقع الذي وقعوا فيه. واللواء محمد ديشلي هو شقيق شعبان ديشلي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم. وأضاف أكار أن محاولاته المكثفة في إقناع الانقلابيين بالتوقف عن الاستمرار في الطريق الخاطئ الذي اختاروه باءت بالفشل. وذكر أكار بأنّ هاكان أفريم، قائد قاعدة أكنجي الجوية الرابعة، عرض عليه إجراء لقاء بينه وبين فتح الله غولن من خلال اتصال هاتفي، إلّا أنه عارض هذا المقترح ورفض لقاء أحد. وتابع أكار قائلاً: «طلبوا مني خلال وجودي في قاعدة أكنجي الجوية، أن أوقّع على بيان الانقلاب وأتلوه، لكنني رفضت ذلك، ثمّ بدأوا بقراءته أمامي، فاستمعت إلى البيان بسخرية». وأعرب أكار عن ثقته بأن منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة ينتمون إلى منظمة الكيان الموازي الإرهابية، مشيرًا إلى أن محاولتهم هذه، جاءت عقب إدراكهم بعزم مجلس الشورى العسكري الأعلى في اجتماعه في أغسطس (آب) المقبل تطهير بنية الجيش من وجودهم. في السياق ذاته، أصدرت محكمة تركية قرارا بإلقاء القبض على 42 صحافيًا، في إطار التحقيقات المتعلقة بالأذرع الإعلامية لمنظمة «الكيان الموازي» الإرهابية، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة. وجاء قرار محكمة الصلح والجزاء المناوبة، بناء على طلب من مكتب مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة في النيابة العامة بإسطنبول، حيث تمكنت قوات الأمن من توقيف 5 من المشتبهين، فيما تواصل عمليات البحث لتوقيف الآخرين. وتضم قائمة المطلوبين الكاتبة الصحافية المعروفة «نازلي إليجاك». التي دعمت حكومة إردوغان لسنوات طويلة وأيدت المشاريع الإصلاحية في مجال الاقتصاد والحريات وحقوق الإنسان، كما عملت في صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة لسنوات طويلة، إلا أنها انفصلت عن الحكومة في 2013 بعد تحقيقات الفساد والرشوة التي اتهم إردوغان جماعة غولن بتدبيرها للإطاحة بحكومته. وانتخبت ايليجاك نائبة في البرلمان التركي من صفوف حزب الرفاه الذي أسسه رئيس الوزراء الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان مع أنها تعرف بأفكارها الليبرالية. في إطار حملة التصفيات في مؤسسات الدولة التي تقوم بها السلطات التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي تم خلالها اعتقال وإقالة وتوقيف نحو 60 ألفا، شهدت الخطوط الجوية التركية حالات فصل وإقالة الكثير من العاملين من وظائفهم بزعم تورطهم في محاولة الانقلاب العسكري. وتم إيقاف كل من نائب المدير العام للخطوط الجوية التركية جوشكون كاليش وعدد من المديرين ونوابهم. فيما تم تسريح الكثير من العاملين في طاقم الطائرات والكثير من الطيارين حتى وصل عددهم قرابة 250 شخصًا. وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال خطاب موجه إلى الجماهير المحتشدة في ميادين «حراسة الديمقراطية»، مساء السبت، أن عدد الموقوفين على خلفية محاولة انقلاب فاشلة، بلغ 13 ألفًا و160 شخصًا. وذكر أنَّ من بين الموقوفين والمحبوسين 8 آلاف و838 عسكريًا، بينهم 113 جنرالا محبوسا، وألفان و101 قاض ومدعٍ عام، وألف و485 شرطيًا، و52 موظفا حكوميا، و689 من المدنيين. في الوقت نفسه، أعلنت بلدية إسطنبول، تمديد خدمة النقل المجاني عبر كافة وسائل النقل العامة في المدينة حتى الغد الأربعاء. وقالت البلدية، في بيان عبر حسابها الرسمي على «تويتر»، أمس الاثنين: «ستواصل وسائل النقل العامة في إسطنبول تقديم خدمة النقل المجاني حتى الساعة 24:00 من يوم الأربعاء الذي يصادف 27 يوليو الحالي. وكانت البلدية قررت عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، إعفاء المواطنين من دفع أجرة في جميع وسائل النقل العامة في المدينة لتسهيل تنقل المواطنين الذين ينزلون إلى الشوارع والساحات على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة. في سياق مواز، شهدت العملة التركية انتعاشًا طفيفا أمام الدولار الأميركي، مع بدء تداولات الأسبوع الجديد في بورصة إسطنبول أمس الاثنين، وارتفعت أمامه إلى ما دون 3.04 ليرة، بعد أن تراجعت إلى 3.09 ليرة مقابل الدولار، خلال تداولات الأسبوع الماضي. وبعد أن وصل الدولار إلى أعلى مستوياته أمام العملة التركية مطلع الأسبوع الماضي، نتيجة الانعكاسات السلبية لمحاولة الانقلاب الفاشلة، بدأت العملة التركية باستعادة عافيتها أمامه، لتصل قيمتها إلى 3.06 في ختام تداولات الأسبوع الماضي. وبدأت الليرة التركية تعاملات أمس، بقيمة 3.05 أمام الدولار الواحد، وسرعان ما انتعشت لتصل قيمتها إلى ما دون 3.04 أمام الدولار. ويرى محللون اقتصاديون أنّ إعلان البنك المركزي التركي لتقرير التضخم اليوم الثلاثاء، سينعكس بشكل واضح على سير الأسواق الداخلية، فيما ستكون قرارات اجتماع البنك المركزي الأميركي الذي سيعقد غدا الأربعاء مؤثرة في تحديد اتجاه الأسواق العالمية.