تترقب المعارضة السورية ما يدور في الأفق الدولي ولا سيما «الروسي – الأميركي» وما يرافقه من تسريبات لم تتضّح معالم تفاصيلها، باستثناء ما نشر في وسائل الإعلام حول وثائق أو «خرائط طريق» لاتفاق شامل يجري التباحث به بين وزراء الخارجية الأميركي والروسي وعدد من نظرائهما الأوروبيين. هذا بينما رأى وزير الدفاع الأميركي كارتر أشتون، أمس، أن «احتمال التعاون العسكري مع روسيا (في سوريا) مستبعد في الوقت الحالي». يأتي ذلك بينما من المقرر عقد اجتماع رفيع يضم مسؤولين من روسيا وأميركا والأمم المتحدة الأسبوع المقبل في جنيف لبحث الأزمة السورية، بحسب ما ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية، للأنباء أمس، نقلا عن ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية. وجدّدت المعارضة تأكيدها التمسّك بتطبيق قرر مجلس الأمن رقم 2254، رافضة العودة إلى طاولة المفاوضات قبل تطبيق بنوده وتخوفها من الغموض الذي يكتنف المعلومات المسربة حول الاتفاق والتي لا يزال صاحب القضية بعيدا عنها وعن أجوائها. وفي هذا الإطار، أشارت مصادر في الائتلاف الوطني السوري، إلى محاولات روسية لـ«حشو وفد الهيئة العليا التفاوضية بأنصار النظام»، بحسب تعبيرها، مضيفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا تزال موسكو تبحث عن معارضة تتنازل عن مطلب رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد وتصرّ على إدخال وفدي (موسكو) و(حميميم) في الهيئة لتتحول بذلك إلى ناطقة باسم النظام، بدل أن تكون المعارضة مقابل النظام وليس النظام في مقابل النظام». وأشارت المصادر إلى أنّه لم يتم طرح الموضوع بشكل مباشر على الهيئة العليا، إنما كل التصريحات المطالبة بذلك من قبل موسكو لم تقابل بأي موقف من أميركا والمجتمع الدولي، مضيفة «علما بأن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا كان يلتقي بهم خلال جولات المفاوضات السابقة وبالتالي لم يعد مستبعدا أن يتم فرضهم على الهيئة». وأمام كل المعلومات المتداولة، يؤكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا رياض نعسان آغا، أن الهيئة كما الائتلاف لم يبلغا بأي شيء رسميا لغاية الآن، مرجحا أن تكون الأمور في طور التفاهمات فيما بين روسيا وأميركا والأطراف الدولية، ليأتي فيما بعد ويطرحها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا على المعارضة، مبديا خشيته في الوقت عينه من اتفاقات على حساب الشعب السوري. وإضافة إلى تغييب الطرف المعني بالقضية، يرى نعسان آغا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن نقاطا عدّة لا تزال غير واضحة فيما سرب من معلومات، منها غياب خطة حماية المدنيين في ضوء استحالة فصل مواقعها عن الأحياء التي يتواجد فيها المسلحون، على أن تواجدها ليس في مناطق منفصلة على غرار «داعش»، وهو ما قد يؤدي إلى قصف عشوائي يكبد المزيد من المدنيين على غرار ما حصل أخيرا في منبج. وكانت قد أشارت إحدى الوثائق المسربة التي قدمها كيري إلى التوافق على توسيع التنسيق بين أميركا وروسيا لهزيمة جبهة النصرة و«داعش»، في سياق تعزيز وقف الأعمال العدائية ودعما للعملية الانتقالية السياسية المبينة في قرار مجلس الأمن رقم 2254. كذلك، يشير المتحدث باسم الهيئة، إلى ما يبدو أنه تأجيل الحرب مع النظام لما بعد الانتهاء من الحرب على «داعش» وهو ما قد يطول سنوات عدة، وعدم وضع مدة محدّدة لرحيل الأسد، والاكتفاء بالقول بأنه لا وجود له في مستقبل سوريا. وأوضح «لافروف يطرح تأجيل موضوع رحيل الأسد إلى نهاية المرحلة الانتقالية وليس بدايتها ويتّهمنا بالتشدّد»، معتبرا أن القبول بهذا الطرح يعني الدخول في مغامرة تعني العودة إلى نقطة الصفر وتسمح للأسد بالتحكم مجددا بسوريا. وأضاف: «الحرب على الإرهاب يجب أن تتم بالتنسيق مع الجيش الحر ليتمكن من تسلم المناطق التي تحرّر من تنظيم داعش، لكن وبدل ذلك، يتراجع دعم (الحر) إلى أدنى مستوياته، وبالتالي فإننا لا نستبعد أن يتم زجّ الجيش السوري في هذه المهمة ليستولي النظام على هذه الأراضي كما حصل في تدمر قبل ذلك». من هنا يرى آغا، ضرورة تشكيل «مجلس عسكري» يجمع بين «الحر» وجيش النظام ويشكل نواة الجيش الوطني ليستولي على الأراضي المحررة، وذلك بعد رحيل الأسد وتشكيل هيئة حكم انتقالي. وعما إذا كانت الهيئة ستلبي دعوة المشاركة في المفاوضات إذا حدّد موعد جديد لها، أشار آغا إلى أن الهوة كبيرة بين النظام والمعارضة وأنه لا يمكن لأي طرف فرض الحل على السوريين وأن الثورة ستبقى مستمرة إلى أن تحقق هدفها. وفيما من المتوقع أن تتضح الصورة بشكل أكبر بعد الاجتماع المرتقب الأسبوع المقبل، بين روسيا وأميركا، كانت بعض بنود خريطة الطريق، قد أشارت إلى أن التعاون العسكري بين الطرفين الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تفاهم عام يشمل الانتقال السياسي في سوريا يبدأ في شهر أغسطس (آب) المقبل. وفي الشق السياسي قالت زاخاروفا إن محادثات مكثفة تجري في جنيف حاليا بين روسيا والولايات المتحدة على مستوى الخبراء حول الشأن السوري، وأشارت بهذا الصدد إلى أن «تكثيف الاتصالات مع الجانب الأميركي حول الأزمة السورية، هو نتيجة المحادثات التي جرت في موسكو بين الوزيرين لافروف وكيري»، معيدة إلى الأذهان أن «المهمة الرئيسية كما أوضحها الوزيران هي تكثيف العمل لاستئناف المفاوضات بما في ذلك عبر منح دينامية خاصة لعمل الخبراء في جنيف». في غضون ذلك أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن عمليات قصف جوي جديدة نفذتها مقاتلات استراتيجية روسية واستهدفت، حسب وزارة الدفاع الروسية مواقع لتنظيم داعش في سوريا، موضحة أن 6 قاذفات روسية بعيدة المدى من طراز «تو - 22 أم 3» شاركت يوم أمس بقصف مواقع «داعش» شرق تدمر والسخنة وغيرهما في ريف تدمر. في واشنطن، رأى وزير الدفاع الأميركي كارتر أشتون، أن «احتمال التعاون العسكري مع روسيا (في سوريا) مستبعد في الوقت الحالي»، موضحًا في اجتماع لوزراء الدفاع والخارجية المجتمعين في واشنطن للبحث الوضع في محاربة «داعش»: «الولايات المتحدة تناقش مع روسيا الأمور التي ما زالت ممكنة، وتقوم على أن يبدأ الروس، بصورة ملموسة، بتنفيذ ما أعلنوا عنه عندما دخلوا سوريا لأول مرة»، ويقصد أن يتصدوا للإرهاب. واستطرد أشتون مشيرًا إلى أن الروس «يقولون: إنهم سيساهمون في نقل السلطة من الأسد، وبهذا الشكل سيساهمون في إنهاء الحرب الأهلية التي تسببت بهذا كله»، بحسب وزير الدفاع الأميركي الذي تابع مكررا اتهاماته لروسيا بأنها «تتحدث عن خططها في التصدي للإرهاب بينما تمارس أعمالا أخرى»، «وعوضا عن التصدي للإرهاب دعموا الأسد في التصدي للمعارضة المعتدلة». تصريحات أشتون تزيد حالة الغموض بشأن الحديث عن التوصل لاتفاق أميركي - روسي ينص على التعاون العسكري بين الجانبين واستئناف المفاوضات وتفعيل وقف إطلاق النار في سوريا، ويرى مراقبون أن كلام وزير الدفاع الأميركي إما أنه يدل على اتفاق أميركي - روسي لكنه مختلف عما تتناقله وسائل الإعلام، وإما أنه يعكس تباينات جوهرية حول الشأن السوري بين وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين.