ككل الأحداث التي تحمل قدراً من المفاجأة تنذر بتحولات دراماتيكية في المدى المنظور، كان الانقلاب في تركيا مناسبة أخرى لاختبار المقاربات الإعلامية مع الحدث.. ففي الساعة الأولى بعد منتصف الليل في إسطنبول كان الخبر العاجل في مختلف الفضائيات هو سيطرة الجيش وتوليه السلطة، ثم بدأ هذا الخبر يفقد بالتدريج قوته، لينتهي الأمر قبل الفجر بما يشبه الإجماع على أن الانقلاب قد فشل! وهذا الحدث الذي لن يكون عابراً بكل المقاييس، شأن سواه من الأحداث التي تجد من يرغبون في تصديق ما يسمعون ومن يزعجهم ذلك، وربما كان هذا أحد أسباب البلبلة التي أصبحت قاسماً مشتركاً بين وكالات الأنباء في العالم لساعتين على الأقل. فهل كان ما عصف بتركيا زلزالاً كما وصفه البعض؟ وما هي درجته بمقياس ريختر السياسي ومدى تردداته محلياً وإقليمياً ودولياً؟ من الواضح الآن أن درجة الزلزال لم تكن عالية، لكن الترددات تجاوزت ما يناسب هذه الدرجة المتدنية من ريختر، ما يجزم بأن هناك من أراد أن يستثمر. ودعوة أردوغان إلى استئناف عقوبة الإعدام في تركيا بعد إيقافها، سببها المباشر هو أقصى عقاب لمن حاولوا الاستيلاء على السلطة، أما اعتقال عدد كبير من الضباط والقضاة، فقد يثير سؤالاً مبرراً حول السرعة القياسية التي تم بها توجيه الاتهام. وعلى صعيد دولي، فإن الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها كيري تنفي أي دور أو حتى علم لها بالانقلاب، كما أنها تبرئ فتح الله غولن بشكل غير مباشر، حين تقول إنها لن تقوم بترحيله من أراضيها إذا لم يكن هناك ما يثبت تورطه، إضافة إلى أن مثل هذا القرار يخضع لقوانين أمريكية بالدرجة الأولى. وإذا كانت الثورات أحياناً تلد ثورات مضادة، فإن الانقلابات العسكرية أولى بذلك! خيري منصور