دليل مبسّط للوقاية من الفيسبوك واليوتيوب وتويتر في زمن الرعب اليومي حرّرت الانتفاضة الشعبية في تونس العالم الافتراضي من لعنة الـ404 ( الخطأ التقني الذي يظهر عند البحث عن محتوى غير موجود) ، فأصبح بإمكاننا الإبحار في العالم اليوتيوبي لساعات ننسى على أثرها كيف ولماذا وجدنا أنفسنا محدقين في مقاطع فيديو لم نكن أبداً ننوي مشاهدتها أو نظن أنفسنا مهتمين بمحتواها. أما الفيسبوك فيبدو وكأنه قد أصبح جزءاً أساسياً من حياتنا الاجتماعية نكوّن عبره صداقات وعلاقات ونسوّق عبر صفحاته وخدماته الإشهاريّة لمشاريعنا التجارية بشتى أنواعها، أما تويتر وإن كان ليس له نصيب كبير من السوق الافتراضية التونسية، فإنه يبقى بدون شك التطبيق المفضل لمدمني الأخبار، خاصة من الفرنكوفونيّين. لقد أصبحنا نمضي الكثير من وقتنا على هذه المواقع والتطبيقات حتى أدمنّا استعمالها، تشتد خطورة هذا الإدمان في فترات الأزمات الوطنية والإقليمية والعالمية حين تتسارع الأحداث وتتوالد الإشاعات وتتكاثر الفتاوى، فمع كل عملية إرهابية تمتلئ صفحاتنا الرئيسية بصور الموتى والجرحى، فينهر أحدنا الآخر؛ لأنه نشر هذه الصور لتنطلق بعد ذلك نقاشات مطوّلة حول حرية التعبير والحق في المعلومة، تنتهي في غالب الأحيان بمزايدات أخلاقية؛ من منا الأكثر وعيا؟ من منا الأكثر إنسانية؟ من منا "يفكر بغيره" أكثر؟ هناك أيضاً ظاهرة غريبة بعض الشيء تتمثل في تلك الهجمات المضادة التي يشنها البعض عليك متى أبديت تضامنك مع قضية لا يرونها أساسية، "لقد أعلنت منذ أشهر تضامنك مع "شارلي إبدو" لماذا لم تغير صورة بروفايلك إلى علم العراق اليوم؟ أتبكي فلسطين أكثر من بلدك؟" إلى غير ذلك من الاتهامات الجاهزة، ليست مهمة هذه المجموعة التي يمكن تسميتها بـ"شرطة القضايا" دفعك لمساءلة انتماءاتك الفكرية -فهذا أمر محمود في العادة بما أن الريبة أولى مراحل تكوين الفكر النقدي- وإنما مهمتها هي تقزيمك أخلاقيا وإظهار نفسها في مرتبة أكثر نبلا، إنها حقاً عربدة الضوضاء. وجب علينا إذن في هذه المرحلة من تاريخنا الوطني و الإقليمي أن نرحم أنفسنا قليلا، وأن نشفق على أعصابنا بعض الشيء، ليست هذه دعوة للاستسلام واللامبالاة بل هي دعوة للتعقل وترشيد الاستهلاك المعلوماتي، يجب علينا أن نتذكر أن الكثير من مساوئنا وعيوبنا نتيجة صَدامات تاريخية متعددة. أجدادنا نشأوا زمن الاستعمار، أما نحن وآباؤنا فقد نشأنا زمن القمع والديكتاتورية والذكورة المسمومة، لقد رضعنا الذل لأجيال طويلة، ويجب علينا أن نحاول الشفاء منه، ولكنّنا لن نشفى إذا أمضينا وقتنا نتصارع فيما بيننا على حلبات افتراضية مفرطين في التعويض عن شعورنا بالنقص، ولن نشفى إذا واصلنا في استهلاك هذا الكم الهائل من العنف والتوحش. في حقيقة الأمر نحن لن نشفى قريباً، ولكن يجب علينا أن نبدأ الآن إذا أردنا أن لا نكون من أكثر الشعوب اكتئاباً في العالم، كما يجب علينا أن نعي جيدا أننا إذا لم نبدأ الآن فإننا سنجني على أبنائنا كما جُني علينا نحن من قبل. هل تعرف كم من الوقت تمضيه على هذه المواقع؟ إذا كنت تملك هاتفاً ذكياً حاول أن تراقب استهلاكك، هناك تطبيق مجاني اسمه " يمكّنك من معرفة عدد الساعات التي أمضيتها ممسكاً بهاتفك. نعم هي ساعات وليست دقائق كما تعتقد. راقب استهلاكك لمدة أسبوع وستكتشف أن الرقم مفزع، حاول أن تحد من استهلاكك في الأسبوع القادم عن طريق تحديد ساعات الإبحار على هذه المواقع فـ"كواليتي تايم" يمكنك من ذلك، أما إذا كنت من ذوي العزائم القوية فحاول حذف تطبيقات الفيسبوك واليوتيوب وتويتر، بالطبع سيكون من الممكن الوصول إلى هذه الخدمات عبر متصفح الإنترنت "البراوزر"ولكن العملية لن تكون سلسة، وهذا ما سيجعلك تنفر من زيارة مواقع التواصل الاجتماعي. أما إذا كنت تستعمل حاسبوك الشخصي فيمكنك أن تحد من الوقت الذي تمضيه على الفيسبوك عبر لواحق (اكستنشنز) مثل، التي تمنعك من الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي لفترة تحددها أنت، لنفرض مثلاً أن عليك نقر مقال ما أو القيام ببحث معين، هل أنت حقا محتاج لأن تتأكد من كارثيّة الوضع الوطني والعالمي بين الساعة الثامنة صباحا ونصف النهار؟ لا طبعا، ولكنّك بالتّأكيد محتاج لخلاياك العصبية ونحن محتاجون لقراءة مقالك أو بحثك. هل تعرف مصادر معلوماتك؟ الصفحات السياسية على الفيسبوك والصحف الإلكترونية تباع وتشترى من طرف الأحزاب ورجال الأعمال، هذه ضريبة تحرير "سوق الخطاب"، وعلينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذا الكم الهائل من الأقوال والتكذيبات وتكذيب التكذيبات. كلما اعترضك مقال أو فيديو لا يحترم عقلك اضغط "إلغاء متابعة"! كل المقالات السياسية التي تكثر فيها الأوصاف وتقل الحجج هي في الغالب مضيعة للوقت، كذلك هو الشأن بالنسبة لكل مقاطع الفيديو التي تأمرك أمرا بمشاهدتها (شاهد كيف فعل فلان كذا...)! حاول أن لا تساهم في نشر الإشاعات، إذا أردت التأكد من تطابق صورة ما مع المقال الذي أوردت فيه أنصحك بموقع الذي يقوم بالبحث العكسي عن الصورة، ويحدد لك الموقع الذي ظهرت فيه أول مرة، الكثير من صور الأطفال القتلى مثلا يتم التلاعب بها لغايات قذرة، فتارة يكون هؤلاء الأطفال سوريين، وتارة يكونون فلسطينيين حسب ميولات الكاتب الأيديولوجية. هل تعرف من حلفاؤك؟ في مثل هذه الظرفية العالمية التي أصبح الكثير من المعلقين يعتبرونها بمثابة الحرب الباردة الثانية يجب علينا نحن أيضاً أن نكوّن تحالفاتنا، هناك حتما أصدقاء نشعر بالأمان حولهم، وهم غالبا أصدقاء نتشابه معهم فكريا أو أصدقاء مستعدون لسماعنا دون أن يتسرعوا في الحكم علينا، والزج بنا في خانات ضيقة لم تجدد منذ الثمانينات أو أكثر، هؤلاء الأصدقاء لا يعتبرون تناقضنا خيانة بل يرون في هذا التناقض فرصة للتوقف والإنصات والتفكير معا، وإن سئمنا الكلام والحجاج واحتجنا فقط أن نبكي فإنهم سيتركوننا نبكي إلى جانبهم في سلام. هل لديك متنفس آخر غير مواقع التواصل الاجتماعي؟ ليس من المعقول أن يكون متنفسنا الوحيد فضاء افتراضيا لا مجال فيه للخصوصية، علينا أن لا ننسى أن نخصص قليلا من الوقت كل يوم للكتابة في مذكراتنا أو للرسم أو حتى للتلوين، فالعالم الخارجي بمآسيه وضغوطه يترصّدنا يوميا،ومواجهته تتطلّب الكثير من الأقنعة، ذلك الوقت الذي نختلي فيه بأنفسنا ونخصصه بكل وعي لرعاية صحتنا النفسية هو وقت التخلص من الأقنعة! عندما نختلي بأنفسنا للكتابة في مذكراتنا أو للرسم أو التلوين يسقط قناع "الواعي" وقناع "المهرج" وقناع "اللامبالي" وقناع "المتدين" وقناع "الأبيقوري" ولو لساعة من الزمن. أما صحتنا الجسدية فهي تتطلب للأسف التقليص من القهوة، تلك الرفيقة الأبدية للـ"مفكرين بغيرهم"، لن أحدثكم عن التدخين ومضاره فلن يُنصت إلي أحد، ولكنكم قد تنصتون لمدربة اليوغا الرائعة ، وقد تذكركم بأهمية الجهاز التنفسي، الاشتراك في ناد رياضي ليس أمرا متاحا للجميع، ولكن ممارسة اليوغا لا تتطلب أي اشتراكات أو معدات، يكفي أن تكون لديك عشرون دقيقة لنفسك، أجمل ما في قناة "آدريان ميشلار" هو برنامج اليوغا للمبتدئين، وهو عبارة عن سلسلة من ثلاثين مقطع فيديو يمكنك متابعتها على النسق الذي تختاره أنت. هل تعلم لماذا قالت ليس حرصي على نفسي انغماسا في الملذات بل هو حفظ للذات، وهذا في حد ذاته سياسة حربية! لأنها امرأة أميركية سوداء مثلية أصيبت بسرطان الكبد، ولأنها وجدت أن العالم الذكوريّ الرأسمالي المتعصّب عرقيّا يريد أن يبقيها وأبناء عرقها دائما على الهامش أي تحت خط الفقر أو تحت السلطة السياسية والأخلاقية للرجل الأبيض. كل هذا القمع ساهم في تفشي ظواهر اجتماعية ونفسية غير سليمة وسط الفئات المهمّشة اقتصادياً وسياسياً، وأبرزها كره واحتقار الذات، وقد تفطنت الحركات النسويّة والمفكرون السود إلى أن محاربة هذه الظواهر تتطلب رعاية خاصة بالذات المهمّشة. ليس هذا الاهتمام بالذات المهمّشة دعوة أو تشجيعا للعب دور الضحية (هذه ظاهرة تتطلب مقالا آخر) بل هو دعوة للنظر إلى ذواتنا ككائنات اجتماعية لا تزال تنمو في بيئة غير سليمة وتواصل هي أيضا المساهمة في تلويث الفضاء المشترك بسبب الاستهلاك المفرط للخطابات المتهسترة، والنشريات الانفعالية، وبسبب عدم حرصها على التمعّن في مكونات ذاتها واحتياجاتها النفسية والفكرية والجسدية. ختاما أريد أن أترككم مع معلومة قد تكون قديمة نوعا ما؛ منذ سنتين تداولت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن الفيسبوك قد تلاعب بالصفحات الرئيسية لـ689.003 من مشتركيه لدراسة مدى تأثر مزاجهم بما ينشره أصدقاؤهم، تمثلت التجربة في تقسيم فئران التجارب الإنسانية هذه إلى مجموعتين، خُصّت المجموعة الأولى بصفحات رئيسية غلبت عليها النشريات الإيجابية، وخُصّت المجموعة الثانية بصفحات رئيسية غلبت عليها النشريات السلبية. دامت التجربة لمدة أسبوع في شهر يناير/كانون الثاني من سنة 2012 تأكد على أثرها أن هنالك أدلة تجريبية واضحة عن وجود "عدوى المشاعر" تنتشر على نطاق واسع عبر الفيسبوك، لن أحدثكم عن أخلاقية هذه التجربة من عدمها، ولكني أدعوكم إلى أن تأخذوا الإدمان المعلوماتي على محمل الجد، وأن تقوا أنفسكم منه. للمطالعة: Pedagogies of the Traumatized by Dr. Gena Athena Ulysse With Black Pain Going Viral, How do We Treat Our Collective Trauma? by Dr. Anissa Moody and Dr. Wendi S. Williams ملاحظة: لم أدّع أني سأقدم وصفة سحرية للقطع مع الإنترنت، كل ما أقترحه هنا هو دليل مبسّط لترشيد الاستهلاك. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.