كنت طفلة صغيرة أحتاج حضن أمي كلما تشاجرت مع الصغار وكلما أنبني الكبار... وكبرت وأنا صغيرة واحتجت حضن أمي كلما تحطم حلم وأخفق طموح... وكبرت وأنا صغيرة وكنت أبحث عن حضن أمي كلما فارقني مفارق وأظن أن الدنيا انتهت مع فراقهم وعندما أنزوي في حضن أمي أكتشف أن الدنيا ما زالت مملوءة بالكثيرين... كنت صغيرة كبيرة أنشغل في عالمي الصغير زاوية قصية في غرفتي بين درسي ورواية أُخبئها كممنوع مرغوب، أصنع حلمي في خيال فتي ظننت أني كبرت على حضن أمي فلا ألتصق بها في كل حين وفي حينه أتوه حينما أفتقدها حتى لو لم أُجالسها يهمني أن تكون هنا فهي الأمان أينما وجدت... وكبرت حينما أصبحت أماً وأدركت ما هو شعور أمي عندما آويت في حضني بني.. وعلمت لماذا يبحثون عني كثيراً فهم يبحثون عن الأمان... وما أغناني احتضانهم عن حضن أمي وكلما أضناني دهري وقابلت أمي شعرت بشرهتي فقط لأنها أمي ولو لم أظهر هذه الشرهة ومهما ابتلعتها عنها كي لا أبوح لها بوجع يثير لها هاجس أو يؤرق لها نوماً، ولكني أشعرها مع كل وجع وأصغر كثيراً عندما أراها وأهاب عينيها فهي تفضح سري وتكشف كل مكنون أُخبئه عنها وأكتشف أني أحتاج أمي أكثر مني في صغري... من قال إن الصغار هم من يحتاجون أحضان الأمهات، بل نكبر ويكبر ضعفنا ويكبر صغرنا وتلح حاجتنا لحضنها ومهما كبرنا نحن صغار أمامها تلح أن نأكل وتؤنب أن نتدفأ وكنا نغضب ونحن صغار ويسعدنا اهتمامها ونحن كبار فلا أجدّ من حرصها ولا أصفى من حبها ولا أصدق من خوفها... يا للأم تخاف علينا وتدعو لأبنائنا... تترقب سيماءنا وتلاحظ ملامحنا.. يستقرئ قلبها آلامنا حتى لو صمتنا.. ويسهد ليلها لهمومنا حتى لو نمنا... يا لتلك الليلة الجميلة التي توسدت قربها ونمت على همس أنفاسها تمنيت أن أبقى مستيقظة ليلي كله وغلبني النوم واستيقظت وهي تسدل علي لحافي وتبسمت في غرقة نومي وأحسست أني عدت طفلة شقية لأتحمل أكتافها أثقالاً ووزراً... يا ليتني تلك الطفلة التي تلاحقني لتُظفر شعري أو لتزيد أثقال لباسي وليتني تلك الطفلة تؤنبني على بعثرة أشيائي وتحاسبني على استذكاري... ليتني عدت الصغيرة بعفويتي معها اشتكي وأبكي وتبسم لتهويلي...وأشتكي فتضجر من كثر شكواي ما أجملها عندما تتململ من طلباتي التي لا تنتهي فتعلنها حرماناً لا يتعدى سويعات فترضخ إنها أم... نحن نكبر ونحتاج أمهاتنا أكثر ونتعلق بهن أكثر ونهاب افتقادهن أكثر وأكثر هن السكن والوطن نغترب بفقدهن.... ما اعيش ببلاد ولاهي بارضهــا ولا أبي عيوني كان ما هي قبالهـا أرض تدوس أمي بالأقدام رملهــا أموت فيها واندفن في رمالهــــــا فيارب ارزقنا برها ومتعنا بوجودها وأسبغ علينا نعمة ظلها من حرور الدنيا واجعلها باباً للجنة مفتوحاً برضاها....