قادتني محادثة هاتفية إلى لقاء صحافي، لم أكن أتوقعه، فخلال العام الجاري أجريت اتصالاً هاتفياً بالخبير في شؤون الجماعات الجهادية، نبيل نعيم، لأستطلع رأيه حول تنامي ظاهرة تجنيد الجماعات الإرهابية للشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فعدّد لي الأسباب، ثم أخبرني أن شاباً مصرياً عائداً من داعش سورية، سيأتي من لندن إلى القاهرة لزيارته خلال اليومين المقبلين، بصحبة والدته، لتوجيه الشكر إليه، بعد إقناعه بالعدول عن العودة إلى التنظيم الإرهابي، فطلبت بإلحاح أن أكون طرفاً رابعاً في هذا اللقاء، فوافق بعد أن وعدته بألّا أكشف شخصية هذا الشاب. الإنترنت محظور في بيوت مقاتلي داعش وقال الفرنسي من أصول جزائرية (م.ع): استخدام الإنترنت أمر محظور في منازل مقاتلي (داعش)، بينما النساء في هذا التنظيم لا يسمح لهن باستخدام الإنترنت سوى بأمر وعلم من مسؤولي الأمن في التنظيم، موضحاً أن سقوط عدد من نساء التنظيم في قبضة الأجهزة الأمنية، بسبب استخدامهن التواصل الاجتماعي، كان السبب في تعديل استراتيجية تجنيد النساء. ولفت إلى أن الجماعات تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات المالية في ما بينها، والحصول على التبرعات، وتضخيم ما تقوم به من عمليات وتعظيم الأضرار الناجمة عنها. دراسة: فيس بوك يضم 130 ألف صفحة داعشية كشفت دراسة نشرتها مؤسسة وطني الإمارات، أن تنظيم داعش الإرهابي لديه 90 ألف صفحة باللغة العربية و40 ألفاً بلغات أخرى على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إضافة إلى موقعه الذي دشنه التنظيم بسبع لغات. وأوضحت الدراسة أن هذا التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى، تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب لضمهم إليه، أو ابتزازهم مالياً للحصول على تمويل، مشيرة إلى أن 3400 شاب ينضمون إلى داعش شهرياً عن طريق حملات التنظيم الإلكترونية. وأشارت الدراسة، التي أجراها الخبير الأمني في قضايا الإرهاب الرقمي، جيف باردين، إلى أن داعش يستغل مواقع الألعاب القتالية والحروب الإلكترونية لتجنيد الشباب من أوروبا وأميركا واليابان، ليحقق لهم طموحاتهم ورغباتهم ليتحولوا إلى قتلة حقيقيين. ودعت الدراسة إلى ضرورة التحرك السريع للتصدي للجرائم الإلكترونية المتمثلة في التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجمع التبرعات المالية، وتنسيق التحركات العسكرية للتنظيم، والأنشطة التي تسعى لنشر فكر التنظيم بين زوار مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم هذا التحرك السريع بإغلاق حسابات أصحابها، وتعطيل خوادم تلك المنتديات بشكل نهائي. في يوم اللقاء سبقت الموعد المحدد بنحو الساعة، تحدثت خلالها مع القيادي السابق، عن الآليات التي يتبعها التنظيم الإرهابي في تجنيد الشباب والنساء، وتطويعهم لخدمة التطرف، أملاً في الجنة، وهو الحديث الذي قطعه جرس الباب. كان الشاب (ع.ح) ووالدته، بصحبتهما شاب فرنسي من أصول جزائرية، يدعى (م.ع)، كان رفيقاً لضيفنا في رحلته إلى داعش، جاء هو الآخر ليشكر نعيم على إقناعه وصديقه بالعدول عن الانضمام إلى هذا التنظيم الدموي. الجهل بالدين والفراغ هما الطُعم الأمثل لاصطياد الشباب وتجنيدهم في (داعش)، بهذه الكلمات بدأ (ع.ح)، حديثه لـالإمارات اليوم، قائلاً:لقد استغلوا فراغي وسطحيتي الدينية لإقناعي بأنهم يمثلون الدين الحق، وأن مفاتيح جنان الله في أياديهم. وأضاف: كنت دائم الانشغال بشتى أنواع شبكات التواصل الاجتماعي، وكانت لي صداقات واسعة على تلك الشبكات، وكنت دائم الانتقاد بل والسخرية مما يحدث في العالم العربي، إلى أن تلقيت رسالة من شخص يدعى (أبوبلال)، تحدّث معي كثيراً حول أحوال العالم العربي، وكانت له لغة شديدة الجاذبية والإقناع، فصرنا صديقين لمدة تجاوزت الشهر، إلى أن كشف لي ذات يوم عن أنه قيادي في صفوف (داعش) في سورية، وسألني ثلاثة أسئلة، أولها هل أنت مسلم حق؟، فأجبته على الفور، الحمد لله على نعمة الإسلام، فسألني كيف تفكر في المجاهدين؟، فترددت قليلاً وفكرت في أن أغلق المحادثة، وأُنهي الأمر، لكن الرغبة في المعرفة غلبتني، فأجبته بالقول هم بالتأكيد أصحاب قضية وموقف، ففوجئت به يسألني بشكل مباشر، هل تريد المجيء إلى سورية؟، فقلت له لماذا وكيف؟، فأخذ يتحدث بآيات من القرآن عن الجهاد، ونعمة الاستشهاد والجنة وحور العين، وبعدها اتفقنا على طريقة التوجه إلى سورية باسم جديد، وعبر حدود دولة أوروبية، في رحلة استغرقت ثلاثة أيام، ووجدت نفسي بعدها في مدينة الرقة، لأصبح فرداً مجنداً في هذا التنظيم لفترة تجاوزت الستة أشهر. وتابع: لم أشترك في عمليات قتالية طوال وجودي في (داعش)، بل كنت أتولى أعمالاً إدارية، إلى أن بدأ التواصل إلكترونياً مع والدتي، التي غضبت عليّ وطالبتني بعدم الاتصال بها مرة أخرى، فقررت أن أعود إليها لأقنعها بصحة الطريق الذي أسلكه، وبالفعل عدت بصحبة صديقي (م.ع)، لكنها كانت تواصلت مع نبيل نعيم، الذي تحدث إليّ كثيراً عن التجارة والاحتيال باسم الدين، وكنت اكتشف صحة ما يقوله لي قياساً بما شاهدته داخل هذا التنظيم، حيث استغلال العواطف الدينية لمآرب تنظيمية وشخصية، وإباحة القتل المجاني وانتهاك الأعراض لأي سبب، بدعوى انهم ينفذون شرع الله، فقررت أنا وصديقي ألّا نعود مجدداً. وعن طرق تجنيد داعش للشباب عبر الإنترنت، قال: أكثر من 80% من الذين انتسبوا إلى التنظيم، تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما أن عدد المواقع المنتسبة للتنظيم وصل إلى 150 ألف موقع هذا العام، موضحاً أن عملية التجنيد تبدأ باتهام ولاة الأمر في دينهم وعقيدتهم والطعن فيهم، والسعي لتشويه صورتهم تحت موالاة الكفار وتعطيل شرع الله، وكذا العلماء ورجال الأمن، والعمل على إسقاطهم، ثم نشر الأكاذيب عنهم لتشويه صورتهم. وأضاف: شبكات التواصل الاجتماعي تسهم في عملية التنسيق بين أعضاء الجماعات، وموقع (تويتر) يعد أحد أهم وسائل التواصل الاجتماعي، التي تستخدم للتفاعل والتنسيق أثناء العمليات، لأنه يوفر مجتمعات افتراضية متغيرة، تتكون بصورة تلقائية خلال الأحداث الكبرى، وهو ما تستفيد منه، بينما يتم استخدام (فيس بوك)، في تجنيد أتباع جدد ونشر الأفكار والمعتقدات، لأنه أكثر وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً في تجنيد المتطرفين، أما موقع (يوتيوب)، فهو ساحة افتراضية للتدريب، إذ تتلخص الوظيفة الأساسية له في استضافة الفيديوهات التي يحملها المشتركون على الموقع لتصبح متاحة للجميع.