في 17 يناير 2014، أطلع الرئيس الصيني (شي جينبينغ) ووزير الخارجية (وانغ لي) وفداً رفيع المستوى من مجلس التعاون الخليجي على المبادرات الصينية لإحياء "طريق الحرير"، واقترحا مشاركة دول المجلس في هذا المشروع التاريخي. وتشمل المبادرة الصينية الطريق البرية التي تربط الصين بدول وسط آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وهو ما تسمّيه الصين "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، كما تشمل "طريق الحرير البحرية" التي تربط الصين بالمحيط الهادي والهندي والأطلسي، مروراً بالخليج والجزيرة العربية. وقد رحب الجانب الخليجي بفكرة إحياء طريق الحرير، وتتفق هذه الحماسة مع الدور التاريخي للجزيرة العربية والخليج في ربط القارات الآسيوية والأفريقية والأوروبية، حيث سيطر تجارها على التجارة الدولية قروناً طويلة، إلى أن اختطفت القوى الأوروبية ذلك الدور في القرن السادس عشر. وقد لاحظتُ خلال زيارتي للصين مع الوفود الخليجية في شهري نوفمبر 2013 ويناير 2014 مدى الأهمية التي تعطيها الصين لهذه المبادرات، التي يجري الترويج لها على المستويات الرسمية والشعبية. ففي يوم 16 يناير، قبل يوم من لقاء الوفد الخليجي المسؤولين الصينيين، أعلن (نور بكري) حاكم منطقة (شينجيانغ) خطط المنطقة بأن تصبح خلال عام 2014 المركز المالي واللوجيستي للجزء البري من طريق الحرير. ولهذه المنطقة ذات الأغلبية الإسلامية، واسمها الرسمي (منطقة شينكيانغ أويغر المستقلة ذاتياً)، دور تاريخي في هذا المجال، حين كانت أهم مدنها حينذاك (كشغر) إحدى محطات طريق الحرير القديمة. وقال بكري إن المنطقة ستستمر في الانفتاح على وسط آسيا وأوروبا و"اغتنام الفرص" لدعم الطريق الجديدة، حيث تم خلال شهر نوفمبر 2013 فقط إبرام اتفاقيات اقتصادية مع (24) مدينة في ثماني دول على امتداء الطريق. وبناء على تلك الاتفاقيات الاقتصادية، تسعى (شينجيانغ) إلى إنشاء منطقة تجارة حرة مع الدول الواقعة على طريق الحرير، وتعزيز التعاون الجماعي بينها في مجالات الزراعة والطاقة والسياحة والثقافة، مع الاستمرار في تعزيز علاقاتها مع الداخل الصيني، وتشجيع تحول الصناعات من شرق الصين إلى غربها، حسب تصريح بكري. وقد طرح الرئيس الصيني الجديد (شي جينبينغ) فكرة طريق الحرير الجديدة في سبتمبر 2013، خلال زيارة قام بها لدول وسط آسيا، حيث تعول الصين على أن تقوم الطريق بتوثيق علاقاتها الثقافية والتجارية مع وسط آسيا، مثلما كان الحال في الطريق القديمة التي كانت تربط بين الصين وأوروباً والشرق الأوسط، مروراً بوسط آسيا. ويمكن أن تمتد المنطقة التي تغطيها طريق الحرير الجديدة إلى عشرين دولة في آسيا وأوروبا، مساحتها أكثر من (50) كلم مربع، غنية بموارد الطاقة والمعادن والسياحة والزراعة، بالإضافة إلى التنوع الثقافي لسكانها الذين يتجاوز عددهم ثلاثة بلايين نسمة. وخلال العقد الماضي، بدأت الصين في الانفتاح على وسط آسيا ودول الخليج، وأعطتهما أولوية خاصة، بسبب ثرواتها البترولية والمعدنية وإمكاناتها الاقتصادية. وأدى التركيز على آسيا إلى تعزيز علاقات الصين مع الدول القريبة من منطقة (شينجيانغ) وهي الجمهوريات السوفييتية السابقة التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتضم أغلبيات إسلامية. وفي الربع الثالث من عام 2013 فقط، أعلنت الصين عن استثمارات تجاوزت (100) مليار دولار في الدول التي زارها الرئيس (شي جينبينغ) في سبتمبر 2013، أي تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان. وتركزت استثماراتها في مشاريع الطاقة والبنية التحتية. فعلى سبيل المثال، وقعت الصين وكازاخستان (22) اتفاقية قيمتها الإجمالية (30) مليار دولار، بما في ذلك (5) مليارات استحوذت بها شركة البترول الوطنية الصينية على (8) بالمئة من حقل النفط والغاز (كاشغان). وبالمثل وقعت الصين وأوزبكستان (31) اتفاقاً قيمتها (16) مليار دولار، من ضمنها اتفاق لإنشاء أنبوب نفطي هو الرابع بينهما. وأبرمت مع (تركمانستان) اتفاقات قيمتها (8) مليارات دولار، تشمل إنشاء أنبوب نفطي. وفي (قيرغيزستان) وُقعت (8) اتفافيات قيمتها (5) مليارات دولار، أكبرها قرض لبناء أنبوب للغاز. وفي أوروبا، وقعت الصين (36) اتفاقية مع (بيلاراوس) قيمتها مليار ونصف دولار، بما في ذلك قرض لإنشاء أول محطة للطاقة النووية في بيلاروس. ويمكن أن تقود هذه المبادرات الصينية إلى تحالف سياسي واقتصادي جديد بين الصين وبقية دول آسيا، بما في ذلك الشرق الأوسط ودول الخليج. ومع أن دولاً كثيرة قد رحبت بهذه المبادرات، مثل دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة، إلا أن هناك حاجة إلى أن تبذل الصين المزيد من الجهود لشرح رؤيتها حول طبيعة التعاون التي تنشده في إحياء طريقي الحرير البرية والبحرية. فلعلك لا حظتَ أن الاتفاقيات التي ذكرتُها تركز على أولويات الصين نفسها. وقد انتقد بعض المراقبين كيف أديرت الاستثمارات الصينية في مجالي الطاقة والبنية التحتية في أفريقيا، على سبيل المثال، أنها لم تراعِ بدرجة كافية احتياجات الدول المضيفة. ومع ذلك فإن الأفارقة، بشكل عام، ما زالوا يكنون موقفاً إيجابيا للصين، مقارنة بالدول الغربية، فالصين ما زالت تعتبر نفسها إحدى دول العالم الثالث وكثيراً ما تتبنّى وتدافع عن مواقف الدول النامية في المحافل الدولية. ولكن المواقف الخطابية، والولاء السياسي، ليسا كافيين لبناء شراكات قوية، مثلما تطمح إليه الصين في إحياء طريق الحرير. فلترجمة ذلك الودّ والعلاقات الإيجابية إلى شراكات مثمرة، ولإبقاء الروح الإيجابية التي استقبلت بها مبادرة طريق الحرير، فإن التنفيذ يجب أن يركز على التعاون المتبادل، وتحديث طرق تعامل الشركات الصينية مع شركائها المحليين، بحيث يكون للدول الأخرى والشركات العاملة فيها دور أكبر في تشكيل وتنفيذ الشراكات المقترحة، وعدم الاكتفاء بأن تكون متلقية للاستثمارات والسلع الصينية، أو مصدرة للمواد الخام التي تحتاجها الصين. ويوفر الحوار الاستراتيجي الخليجي الصيني، الذي بدأ في عام 2010 ويسير بخطوات ثابتة، المظلة والأدوات الملائمة للمشاركة في إحياء طريق الحرير، بشقيها البري والبحري. ومثل سابقاتها في القرون الماضية، يجب ألا تقتصر الطريق الجديدة على التبادل التجاري، بل تكون أداة لتبادل حضاري ثري ومتكامل.