×
محافظة المنطقة الشرقية

الأرقُ بين الشباب!

صورة الخبر

في مدة قصيرة ومفاجئة، وبرعاية مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوجان، حدثت انعطافة نوعية في السياسة الخارجية التركية. تمثلت معالم هذه الانعطافة بتطبيع العلاقات مع كل من إسرائيل وروسيا وبوادر أولية مع مصر بما يشير إلى أن ثمة إعادة هيكلة شاملة للموقف التركي حول قضايا المنطقة وبخاصة حول مخارج الأزمة السورية والأطراف ذات التأثير على مستوى الداخل السوري والقوى الإقليمية والدولية وربما على الأوضاع الداخلية في تركيا. تحدث العديد من المراقبين حول انعكاسات هذه الانعطافة على مشاكل المنطقة وما يمكن أن تضيفه من سلبيات وايجابيات مقارنة بالمواقف التركية السابقة لمصلحة أو ضد هذا الطرف أو ذاك مع ميل واضح في الإعلام العربي للتشكيك في مصداقية الموقف التركي السابق وتحديداً حول سوريا والقضية الفلسطينية. ولمحاولة فهم هذا الانعطاف ومآلاته، لا بد من التذكير بإيجاز بالمواقف التركية في داخل تركيا وفي سياستها الخارجية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002م بقيادة الرئيس أردوجان ورفاق دربه عبد الله جول وأحمد داود أوغلو وصولاً إلى رئيس الحزب الحالي علي يلدريم. عندما وصل حزب العدالة والتنمية وقاد باقتدار سياسات اقتصادية وسياسية واجتماعية انعكست بشكل جعل تركيا تتجاوز معدلات النمو لبعض الدول الكبرى في أوروبا ومارست سياسة خارجية تقوم على«تصفير المشاكل مع دول الجوار. كان من رسم وقرر هذه السياسات هو حزب العدالة والتنمية. الحزب الذي أعلن انتماءه الواضح لمرجعية الأحزاب الديمقراطية في أوروبا كحزب علماني وسط اليمين. وبهذه الصفة أقدم الحزب على إنهاء مشكلتين من أعقد مشاكل تركيا، مشكلة الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني ومشكلة وصاية الجيش على الحكومات التركية منذ تأسيس تركيا الحديثة حتى تاريخ استلام السلطة. في تلك الأثناء كانت علاقات تركيا مع بلدان المنطقة دون استثناء على ما يرام مع سوريا وروسيا وإسرائيل. وبما أن السياسة متحركة بطبيعتها وخاضعة للتقلبات الجيو- سياسية، كان لا بد لتركيا كدولة كبيرة ومؤثرة، أن تواكب تلك الأحداث التسونامية التي عصفت بالمنطقة. وبدلاً من أن يتولى الحزب - العدالة والتنمية - مواجهة الأحداث بسياسات ذات مرجعية ديمقراطية، بدأت العلاقات «الرفاقية» بالتآكل كأي حزب ديمقراطي خاصة وأن الحزب كان جديداً على التقاليد الديمقراطية. كذلك أضافت الخلفية التاريخية «للعظمة» التركية بعداً محفزاً لقائد الحزب والدولة السيد أردوجان يأخذه كزعيم إلى الأمام مؤدياً إلى تراجع دور الحزب وتقوية دور الزعيم. هكذا ارتبكت سياسات الحزب وتركزت القيادة شيئاً فشيئاً في يد الرئيس الذي بدأ يتصرف مستفيداً من تقاليد حكم الحزب الواحد. تدهورت علاقات الحكومة مع الأكراد وأوقفت اتفاقية السلم معهم وبدأ مسلسل العنف داخل البلاد مترافقاً مع سياسات متخبطة في سوريا وعلاقات ملتبسة مع أطراف المعارضة السورية وتحالفات شكلية مع حكومات المنطقة وعدائية مع مصر وصولاً إلى إسقاط الطائرة الروسية وتأجيج الخلافات مع روسيا مضافاً إلى كل ذلك تلك «الحروب الاستعراضية» مع إسرائيل. هذه السياسة الخارجية التركية المتعارضة مع السياسات التي وضع لبناتها قادة حزب العدالة والتنمية، وتهديدات تبعاتها على تركيا وحزب العدالة والتنمية، أدرك خطورتها الرئيس أردوجان قبل غيره وعين علي يلدريم لتدارك تداعياتها. علي يلدريم بدوره صرح بأن سياسة تركيا «الجديدة» التي يقودها الرئيس نفسه تقوم على مزيد من الأصدقاء وتقليل الأعداء. وإذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن الأولوية اليوم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وللرئيس أردوجان، هي العودة لأحضان الحزب وإصلاح البيت من الداخل خاصة وأن سمعة تركيا في مجال حرية الرأي وحقوق الإنسان والعلاقة بالخصوم السياسيين قد تضررت بشكل كبير. هل يعني ذلك أن النزعات التسلطية واعتبار الخصوم أعداء قد تراجعت في هرم السلطة ؟ ليس بعد، لكن ما هو مؤكد هو أن سمعة حزب العدالة والتنمية وسمعة الرئيس أردوجان، ليست في وهجها السابق. وإذا كانت هناك عوامل واقعية لاستعادة توازن السياسة التركية الخارجية والداخلية، فإن العلاقة مع روسيا والتفاهم معها ومع الأمريكان يمكن أن تقود إلى حل سياسي في سوريا يحافظ على المصالح التركية والروسية والأمريكية ويحجم دور إيران في إشاعة الاضطرابات وزرع الفتن الطائفية ويكشف دور المحاربين بالوكالة من أي نوع. يقول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في تصريح قريب «لقد سئمنا ما يكرره الروس بالقول بأن إيران هي الأكثر إيذاءً في المنطقة. ويقول قائد عسكري سوري من قوات النظام مؤخراً: كلما تقدمنا باتجاه حلب، أوقف الروس دعمهم الجوي، يبدو أنهم لا يريدون أن نحرر حلب».