عبد اللطيف الزبيدي هذا مبحث جوهري لم يستوعبه بعد واضعو المناهج في العالم العربي، بدليل أن العقلية العربية لم تتغير. أفدح اللامعقول هو أن يتوهم الناس حدوث معجزة التغيير في التفكير من لدن الأبواب العالية. القرار السياسي لا يكفي للتغيير، وهو أصلاً كالعنقاء والغول عند العرب. مفرحات القلوب جمة. ألا ينشرح صدرك عندما ترى البرلمانات في البلدان المنهارة، وحتى أفغانستان، وما أدراك، تتحدث باسم الديمقراطية وحرية التعبير والرأي والتفكير؟ تقول: ما الذي تناوله هؤلاء حتى كان لهم سحر البيان هذا؟ لكن الحقيقة الخافية عمن لا يريد رؤيتها، هي أن العقلية العربية تعشق تراثياً الإيجاز بلاغياً، لهذا جعلته شمولياً. هي تختصر التنمية في الوعود، بالرغم من البيت: لا تجعلني ككمون بمزرعةٍ.. إن فاته الماء أروته المواعيدُ. واختزلوا الديمقراطية في الخطب. وحصروا حريات الفكر والرأي والتعبير في ادعاء الدساتير ضمانها. وقصروا الصحة على الحقنة والقرص، وتجاهلوا دور التغذية السليمة والماء النقي والبيئة النظيفة، وهي الأساس. ولخصوا التربية والتعليم في مدارس ومقاعد ودفاتر، وأغفلوا المناهج التي تنمي العقل الناقد، وتشحذ المواهب، وتربي الشغف بالبحث العلمي والابتكار والاختراع والإبداع. أبعد هذا إيجاز وحرق مراحل؟ لن أذهب إلى حد الإفراط في المبالغة، كالقول إن العقلية العربية السائدة لا تزال واهمة أن الديمقراطية علبة سبانخ الرسوم المتحركة باباي، بينما مصيرها في الباي باي. ثمة مجتمعات في عصور ما قبل الزراعة، فوضى بلا مؤسسات مدنية، توقعها في الفتن الفتاكة حيل وأحابيل تافهة، وتريد أن تحقق الديمقراطية بأمخاخ تعمل بالغرائز التي لم يطور أداءها أي فكر، ولم تتدرب على العمل الجماعي وقبول الآخر. في البرلمان البريطاني درس كبير. نواب المعارضة يكلف كل واحد منهم بملف معين (الاقتصاد، الصحة، التعليم إلخ)، بمرور الزمن يصبح النائب خبيراً بكل التفاصيل، حتى إذا وصلت المعارضة إلى السلطة وشكلت الحكومة، تسلمت الحقائب وهي لا تخفى عنها خافية، فيكون الانتقال سلساً ومقتدراً. النظام يدرب المعارضة ويؤهلها. تلك هي المصلحة الوطنية العليا. يصبح الذين كانوا في السلطة هم المعارضة، وهكذا. لكن، من الذي درب النظام ذاته؟ إنها المناهج ومؤسسات الدولة جميعها. ووراء كل ذلك الفكر النظري والعملي الذي تربى في أحضان المناهج. لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الشعر يستطيع أن يقطف النجوم، أما الوصول إليها فمسيرة طويلة، تبدأ بالمناهج وتنتهي بصنع المركبات الفضائية. abuzzabaed@gmail.com