انتعشت آمال اليمنيين بما تمخض عنه مؤتمر الحوار الوطني الشامل من مخرجات توافق عليها المتحاورون من كل المكونات السياسية والمجتمعية والشباب والمرأة، واتفقوا على وضع المعالجات الممكنة لمشاكل اليمن والصعوبات التي تواجهه جراء أزمة عام 2011 وما سبقها من أزمات منذ قيام الثورة وما بعدها، مروراً بمرحلة استقلال جنوب الوطن، حتى قيام الوحدة اليمنية المباركة في ال22 من مايو عام 1990 وما تلاها من أحداث، وما خلقته تلك الأزمات من صراعات وحروب واقتتال، وتصفيات جسدية للخصوم، وإقصاء وتهميش واستحواذ وسيطرة، شكّلت في مجملها ندوباً وأوجاعاً مؤلمة في جسد الوطن، واستطاع اليمنيون من خلال لجوئهم إلى الحوار أن يصنعوا معجزة جديدة، وأن يقفوا -بثبات- على عتبات مرحلة جديدة منذ أن اتفقوا على إجراء التسوية السياسية للأزمة، والانتقال السلمي والسلس للسلطة، في إطار خارطة طريق حددت معالمها المبادرة الخليجية ووضعت تفاصيلها الآلية التنفيذية المزمَّنَة، وأكد عليها قرارا مجلس الأمن الدولي رقم (2014 و2051) المعبران عن تأييد المجتمع الدولي للمبادرة والآلية، ودعمه للتسوية السياسية والحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن، ورعايته المباشرة لعملية الحوار الوطني الشامل وتقديم الدعم اللازم لنجاحه، باعتباره المخرج الآمن والسبيل الأمثل لبناء اليمن الجديد والمضي نحو المستقبل الخالي من كل الصراعات والحروب التي دمرت اليمن واليمنيين، والتخلص من نزعات الحقد والانتقام والانتقام المضاد، وضمان تنفيذ الحلول والمعالجات للقضية الجنوبية، وقضية صعدة، وإنهاء المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها وجبر الضرر لكل ضحايا الصراعات المريرة. لقد شهدت الساحة السياسية اليمنية تفاعلات ومتغيرات غاية في الأهمية والخطورة فرضت على اليمنيين التعامل معها بمسئولية عالية وحرص شديد لتجاوز الواقع المتدهور وإخراج الوطن من النفق المظلم الذي وصل إليه، وانتشاله من الأوضاع التي بلغت درجة من السوء لم يسبق له مثيل، وكادت تقضي على آمال اليمنين في إحداث التغيير المنشود، وفي نجاح الحوار، خاصة أمام عجز حكومة الوفاق الوطني عن تحقيق أي مما التزمت به عند تشكيلها، وبالذات في الجانب الأمني الذي بلغ حداً خطيراً من الانهيار والانفلات تسبب في زيادة معاناة الناس في حياتهم ومعيشتهم، وأصاب الجميع بالخوف والرعب وعدم الاطمئنان على حاضرهم ومستقبلهم، وتعمق هذا الشعور عندما ضعف دور الدولة -إن لم يكن غيابها- في كثير من المحافظات والمناطق، التي تحول بعضها إلى ساحات للصراعات والحروب الطائفية والقبلية، والتمردات المسلحة على الدولة، وممارسة أعمال الاغتيالات والقتل والعنف والتخريب والتقطعات والنهب والسلب بكل صوره وأشكاله، ومنع شركات النفط من ممارسة نشاطها بل ومحاصرتها، دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء للحد من تلك الممارسات، أو ردع لمرتكبي تلك الأعمال والجرائم التي أصبحت تتم بشكل يومي، ومع ذلك لازال اليمنيون يعيشون على أمل كبير في أن تتحسن الأوضاع ويتحقق التغيير نحو الأفضل، إذا خلصت النوايا وتحمل الجميع مسئولياتهم الوطنية والتاريخية لتنفيذ مخرجات الحوار وبما يحافظ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه. صحيح أن الحوار الوطني الذي استمر عشرة أشهر واجه الكثير من الصعوبات والتعقيدات وساد فترته جو من التوتر والخلاف والاختلاف، والتوافق والاتفاق، لكن المرحلة الأصعب والأكثر تعقيداً ستكون مرحلة تطبيق وتنفيذ مخرجات الحوار وتحويلها من أفكار ورؤى نظرية إلى عمل تنفيذي خلّاق في الواقع يلمسه المواطن أمناً وأماناً.. وتحسناً في مستوى معيشته اليومية، وحالة اطمئنان كامل على حاضره ومستقبله، واقتصاداً معافى، وحياة حرة كريمة في ظل دولة قوية بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبمنظومة حكم حديثة تلبي طموحات اليمنيين، وتحقق آمالهم المشروعة.