يحتضن استاد «فيلودروم» في مدينة مرسيليا، التي تكتظ بعدد كبير من المهاجرين المغاربيين، وخصوصاً الجزائريين، مباراة الدور نصف النهائي من «يورو 2016» بين فرنسا المضيفة ومنتخب ألمانيا بطل كأس العالم في نسختها الاخيرة في البرازيل. فرنسا ومدربها ديدييه ديشان، تسعى الى استعادة ذكريات وأمجاد الانتصارات المدوية التي صنعها ديشان نفسه كلاعب الى جانب زين الدين زيدان وليليان تورام وباتريك فييرا وفابيان بارتيز ولوران بلان ومارسيل دوسايي، وتمثلت بإحراز كأس العالم للمرة الاولى في تاريخ «الديوك» عام 1998. لقد نجح ذاك الجيل الذهبي في إدخال فرنسا تاريخ كرة القدم ومحا تجارب فاشلة سابقة عجز فيها ميشال بلاتيني وجان تيغان والان جيريس وديدييه سيس ومانويل اموروس وماريوس تريزور عن الوصول الى تلك المنصة التي يتم فيها رفع كأس العالم عالياً. ديشان يدرك تماماً بأن جيله صنع المجد لفرنسا من خلال احرتز كأس العالم 1998 وكأس أوروبا 2000، وكأس القارات 2001. ثلاثية في غضون سنوات قليلة جعلت من فرنسا من كبار القوم. اختفت تلك الانجازات نهائياً عن الخزانة الفرنسية على الرغم من ملامسة اللقب العالمي في مونديال 2006 والذي ذهب الى ايطاليا بركلات الترجيح في مباراة شهدت «نطحة تاريخية» من زيدان ضد مدافع منتخب ايطاليا ماركو ماتيراتزي. فرنسا في بطولة أوروبا الحالية تعيش أياما جميلة بعدما نجح لاعبوها في تجاوز كل المراحل بنجاح، وأصبحوا على بعد عقبة واحدة من المباراة النهائية. لكن تلك «العقبة» هي ألمانيا التي ارتكبت جناية كروية في 8 يوليو 2014 فى ملعب «مينيراو» فى مدينة بيلو هوريزونتي حين أذلت منتخب البرازيل صاحب الارض والجمهور بنتيجة كارثية قوامها 7-1. بداية تلك المباراة ونهايتها أمران مختلفان تماماً. فقد احتشدت الجماهير البرازيلية والمناصرة لـ»راقصي السامبا» في الملعب وخلف الشاشات فى كل أرجاء الكون تنتظر أن يتراقص رجال المدرب لويز فيليبي سكولاري على «الكفن الالماني». كانت الدقيقة 25 تشير الى تقدم الماكينة الالمانية بخماسية نظيفة وسط ذهول وبكاء وعويل كل من يعشق البرازيل. لم تكن تلك الرصاصات الخمس كافية لقتل ما تبقى من تاريخ السحر البرازيلي، بل أضيف اليها هدفان قضيا تماما على ما تبقى من كرامة كروية برازيلية. البرازيل وصلت الى نصف نهائي مونديال 2014 بعد نتائج وعروض غير مقنعة احتاجت فيها الى ركلات الترجيح لتتجاوز شراسة تشيلي ثم عانت الامرين أمام كولومبيا وفازت 2-1. نتائج خدعت تاريخ وجمهور البرازيل أمام واقعية توني كروس وتوماس مولر ومسعود أوزيل وسامي خضيرة ومانويل نوير وميروسلاف كلوزه. حكاية مباراة كانت وما زالت وستبقى صفحة سوداء فى تاريخ «برازيل بيليه وكارلوس ألبرتو وجيرزينيو وريفيلينو وسقراط وزيكو وفالكاو وجونيور ورونالدو ورونالدينيو وريفالدو وكافو». نشوة الانتصارات غير المقنعة لفرنسا في «يورو 2016» على حساب ايرلندا في ثمن النهائي وايسلندا صاحبة المغامرة العابرة في دور الثمانية 5-2 قد تقنعها، كما كانت البرازيل في 2014، بأنها قادرة على المضي قدماً الى النهائي من دون أي مشاكل. أخشى على أنصار «الديوك» أن يصيبهم ما أصاب أنصار البرازيل في 2014 لتكون النهاية مأسوية على يد الالمان الذين ما اكترثوا يوماً بعاملي الارض والجمهور. حكاية التاريخ يجب أن يتعلمها الفرنسيون وأنصارهم، والتجربة البرازيلية من الواقعية الالمانية ما زالت طازجة. قد يفعلها منتخب المانيا من دون رحمة في بلد الازياء والموضى، ويحول كل الأحلام الى كوابيس من خلال هزيمة نكراء قد تقتل هذا الجيل كما قتلت جيل برازيل مارسيلو ونيمار وتياغو سيلفا ولويز وأوسكار. «فرنسا هوغو لوريس وصامويل اومتيتي وعادل رامي وباتريس ايفر ولوران كوسيلني وبول بوغبا وديميتري بايبه وانطوان غريزمان واوليفييه جيرو» على خط النار امام ألمانيا، فإما أن يثبَتوا أو ستكون نهايتهم مؤسفة. قد ينقلب كل المديح الذي ناله ديشان الى سخط ويدخل في النفق نفسه الذي دخله سكولاري بعد الـ 7-1 الشهيرة.