قبيل صلاة عيد الفطر المبارك بوقت قصير يرتدي الطفل "أحمدو" ثيابه الجديدة وينادي على أصدقائه بالحي "الإداري" بمقاطعة توجنين بالعاصمة نواكشوط من أجل البحث الجماعي عن "أمديونه" (عيدية) التي أصبح الكبار يتطلعون إليها منذ سنوات في محاولة لسكر حالة الاحتكار التي ظلت تميز "أمدوينه" عيدية الأطفال في موريتانيا. ماهي "أمديونه" و من يدفعها؟ يرى الباحث الاجتماعي يسلم ولد البكاي أن أصل كلمة "أمديونه" يعود للغة "الولف" (الزنوج الموريتانيين)، وهي تعني في الأصل التهنئة بالعيد، وقد باتت تستعمل على نطاق واسع لدى كافة الموريتانيين، وتم تغيير مفهوم الكلمة لتعبر عن العطية، أو هدية في مواسم الأعياد. واعتبر الباحث الاجتماعي يسلم ولد البكاي أن "أمديونه" هدية أطفال موريتانيا المضمونة في مواسم الأعياد، وهي ضريبة يدفعها جميع من يطلبها الأطفال منه، سواء كان ذلك في الشارع، أو داخل المنازل، في طريق العودة من صلاة عيد الفطر، أو الأماكن الأخرى، فالأطفال يطلبونها لأول قادم بغض النظر عن الزمان أو المكان ابتداء من يوم العيد ولمدة يومين متوالين بعده. وأضاف ولد البكاي في تصريح لهافينغتون عربي أن هدية الأطفال المعروفة حليا بــ "أمديونه" هي هدية يطلبها الأطفال خلال فترة الأعياد من الكبار، والجميع ملزم ـ حسب العادات والتقاليد ـ بدفعها، مؤكدا أنه ليس من المتداول رفض دفعها للأطفال نتيجة عدة أسباب أهمها أن الهدية المقدمة ليست محددة سلفا، وإنما يقدم الشخص للطفل أي مبلغا اختار تقديمه". وأكد الباحث أن "أمديونه" تقليد موريتاني قديم دأب الجميع على تقديم الهدايا من خلاله للأطفال في مواسم الأعياد، مشيرا أن للظاهرة رسائل عدة لعل أهمها وضع الطفل في جو من الاهتمام والتعاطي مع رغباته من الجميع، اذ ليس الأمر هنا حصرا على العائلة، أو الأقارب فقط، وإنما الجميع يقدم الهدايا ويظهر التعاطف والتسامح والود للأطفال. الكبار يتطلعون لهدية الأطفال ظلت "أمديونه" إلى حد قريب هدية حصرية للأطفال الموريتانيين في موسم الأعياد، غير أن السنوات القليلة الماضية شهدت نوعاً من التطلع لدى الكبار لإنهاء حالة الاحتكار التي صاحبت تقديم الهدية للأطفال لفترة طويلة عبر عناوين متعددة ومتنوعة لاختطاف الهدية أولتقاسمها مع الأطفال على الأقل. ويعتبر الباحث الاجتماعي يسلم ولد البكاي، أن محاولة انقضاض الكبار على "أمديونة" ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج جهد سنوات من الترويج لعدم اقتصار الهدية على الصغار، وطلب الكبار لها في مواسم الأعياد جعل البعض من الناس يمنحها لهم مجاملة بعد إلحاح خاصة من النساء اللواتي حاولن الانقضاض عليها خاصة المقدمة من قبل الرجال. وأضاف ولد البكاي لهافينغتون عربي، أن النساء يطلبن أن تكون هدية العيد عبارة عن رصيد الهاتف النقال، بدل الأطفال الذين يريدونها نقدا، مؤكداً أن النساء يحصلن على "أمديونة" تارة من الحلوى، وتارة من الثياب ما جعلها فرصة لهن في فترات الأعياد ينافسن الأطفال في طلبها. قواعد طلب "أمديونة" لدى الكبار لم تكن لهدية "أمديونة" في موريتانيا أي قواعد على الإطلاق، بل كان الصغار معروف سلفاً أنهم من يطلبها ومن تقدم لهم من الجميع، إلا أن تسلل الكبار إليها، ومحاولتهم لمزاحمة الصغار في طلبها جعل من الضروري إدخال قوانين من أجل أن تنظم عملية طلب "أمديونه" وتجعلها محكومة بضوابط للكبار فقط. ويرى الناشط باب أحمد ولد الخليفة أن قاعدة "أمديونة" المعروفة لدى الكبار، هي أن طلبها قبل يوم العيد تحرم عليه، وأول من طلبها يوم العيد تقدم له من الأشخاص الذين سبقهم بطلبها". ويضيف ولد الخليفة لـ"هافينغتون عربي"، أن من بين قواعد ظاهرة "أمديونة" لدى الكبار، هو أن من طلبها بعد يوم العيد يلزمه تقديمها مضاعفة لمن طلبها منه، معتبراً أن هذه القواعد كلها تأتي في جو من المرح وتبادل المزاح والنكات من الموريتانيين.