لا يمكن لأحد منا أن يوازي الفلسطينيين في مشاعرهم: لا في خسارة الأرض، ولا في خسارة الزمن، ولا في خسارة السقف. لكن كثيرين منّا عايشوا هذه الكآبة بدرجة أو بأخرى. بعمق أو بآخر. ولذلك، تفاوتت أيضا مشاعرنا ومواقفنا من الرؤية الفلسطينية للسعي في سبيل مستقبل أفضل لـ6 ملايين إنسان عربي مظلوم. في شبابنا، أيّدنا جميع أوجه الكفاح، وكنّا نعتقد بجدواها. واليوم، بعد 10 سنوات على غياب ياسر عرفات، نرى أن الأخطاء الكبرى لا تزال تُرتكب، أهمها محاولة إزالة عرفات من الذاكرة الفلسطينية، أسوة بالأنظمة التي أزالت من التاريخ صور المؤسسين والمناضلين والروّاد. ارتكبت منظمة التحرير أخطاء كثيرة في عمرها، منها رمي كل الأوراق في أحضان السوفيات والصين، وإذا بنا نفيق لنرى عرفات في البيت الأبيض يصافح بيريس ورابين وبينهما كلينتون. وكان ما مضى قد مضى. وبحث عرفات عن فلسطين في عمّان فلم يجد سوى السراب والدماء، ثم بحث عنها في لبنان، وانتهى به الأمر إلى أن يغادر بيروت إلى أثينا على باخرة حزينة. ولكن أكبر الأضرار في حق بعض الفلسطينيين كان في الكويت، حيث تحوّلت النظرة إليهم من عمّارين ومنشئين ومفكّرين وشركاء، إلى مشاركين في الغزو العراقي. بعد هذه الأضرار الكبرى وهنت القضية في العالم العربي قبل سواه، وخسرت الأكثرية الفلسطينية موقعا معيشيا أساسيا في الخليج، ودخل عرفات مفاوضات أوسلو مجردا من القوة التي كان يتمتع بها يوم انطلق بحركة فتح من الكويت، لكي تعم العالم العربي ويتكاثر أنصارها حول العالم أجمع. في كل تلك المراحل عاشت القضية على الحماس، لا على السياسة والحكمة واستثمار الدعم والتأييد والفرص. لا أحد منّا يستطيع أن يعلّم الفلسطينيين طريقهم. لكن ما يحدث لفتح في غزة، أمر معيب. ومحاولة إلغاء ياسر عرفات عيب كبير، والاستمرار في الخلاف فجور فاقع. ونأمل أن تتعلم حماس من أخطاء فتح. وألا تؤخذ بالغرور، وألا توزّع الولاءات. وألا يخيّل لها أنه يمكن لأي مخلوق أن يكون فلسطينيا أكثر من أبناء الأرض. لقد أخطأ عرفات في بعض سياساته، لكن ما من قلب كان فلسطينيا مثل قلبه. ولا يجوز الآن أن يقف العالم إلى جانب الدولة وتمنعها غزة من الدخول.