يظن البعض أن العيش حتى عمر المئة وما فوق سيصبح ممكناً في أحد الأيام. يشهد هذا المجال من الأبحاث العلمية ازدهاراً لافتاً وقد يتحوّل يوماً إلى حقيقة. قد تصبح أسطورة الشباب الأبدي واقعاً ملموساً قريباً. في فبراير الماضي، أعلن باحثون أميركيون نجاحهم في إطالة عمر الفئران بنسبة تفوق العشرين في المئة، عبر التخلص من جزء من خلاياها الهَرِمة التي يرتفع عددها مع التقدم في السن وتضمّ عناصر سامة. لكن تحسنت صحة تلك الفئران أيضاً وتراجعت حالات السرطان التي تصيبها. حتى لو كانت الآثار التي تسجلها الحيوانات لا تتحقق دوماً مع البشر، يمكن اعتبار هذه النتيجة واعدة لأنها تثبت إمكانية تأخير شيخوخة الجسم كله عبر استهداف مجموعة فرعية من الخلايا. نشأت {وحدة التكنولوجيا الحيوية} في الولايات المتحدة للبحث عن دواء يستطيع الحد من آثار العمر لدى البشر. اختبار الآثار المضادة للشيخوخة في دواء سكري في عام 2015، أعطت {إدارة الغذاء والدواء} الأميركية للمرة الأولى الإذن بإجراء تجربة عيادية لتقييم آثار جزيئة معينة على أمراض مرتبطة بالشيخوخة (سرطان، سكري، أمراض القلب والأوعية الدموية، خلل معرفي) وعلى متوسط العمر المتوقع أيضاً: إنه دواء الميتفورمين المعروف منذ 60 سنة بمكافحة النوع الثاني من السكري، كما أنه يعطي آثاراً محتملة على مستوى مكافحة الشيخوخة. إذا توصّلت هذه التجربة إلى نتائج قاطعة، يأمل المسؤولون عنها أن تصادق {إدارة الغذاء والدواء} على علاج جديد. سيشكّل هذا الحدث منعطفاً مهماً وسيفتح المجال أمام تطوير علاجات أخرى وستظهر جهات جديدة إلى جانب شركة Calico التي أنشأتها {غوغل} في 2013 للبحث عن {حبة الشباب}. من المتوقع أن يبدأ تسويق أول جزيئة {مضادة للشيخوخة} خلال عشر سنوات. بحث عن حياة لامحدودة نشأ تيار {ما بعد الإنسانية} في الولايات المتحدة لدعم استعمال تقنيات جديدة لإطالة مدة حياة البشر. يظن مؤيدو هذا التيار أن الإنسان قد يعيش أكثر من 120 سنة، أو حتى 500 أو ألف سنة! يمكن إبطاء الاضطرابات المرتبطة بالشيخوخة خلال عشرين أو ثلاثين سنة نظراً إلى التقدم الحاصل في مجالات كثيرة (علاجات جينية، تكنولوجيا النانو، جراحة دقيقة...). ويمكن التمتع بصحة جيدة لفترة أطول وتأخير موعد الوفاة. لا يتعلق الهدف الأساسي ببلوغ الخلود بل بعيش حياة لامحدودة. لكن لا يوافق الباحثون جميعهم على هذه الأفكار نظراً إلى غياب المعطيات العلمية التي تثبت قدرة الإنسان على العيش أكثر من 120 سنة، لذا تبقى هذه المساعي مجرّد أوهام بنظر البعض. الحد من السعرات المستهلكة لإطالة الحياة تتعدد المسارات التي اكتشفها العلماء لإطالة الحياة، أبرزها الحد من استهلاك السعرات الحرارية. ارتبطت بعض الحميات التي تقلّ فيها السعرات بإطالة حياة الديدان والذباب وفئران التجارب. تسمح هذه الحميات أيضاً بتقليص مخاطر السرطان بنسبة 70% لدى القوارض والرئيسيات. لكن تترافق هذه المقاربة مع آثار سلبية لأنها قد تضعف الخصوبة وقدرة الجسم على مداواة الجروح. أثبتت دراسات لافتة أخرى حديثاً أن تجديد الشباب ممكن عبر نقل دم فئران {شابة} إلى فئران أكبر سناً وقد اتّضح دور بعض الجزيئات التي تتنقّل في الدم. تحصل أبحاث أيضاً عن التيلوميرات التي تقع على أطراف الكروموسومات وقد يؤدي استنزافها إلى تدهور خلايا الجسم، كما أنها تؤثر على الجذور الحرة التي تعزز الإجهاد المؤكسد. يتعلق ابتكار واعد آخر بالأنزيم المساعد {ناد} الذي استطاع، بعد حقنه في أجسام الفئران، عكس مسار تدهور المتقدرات التي تؤدي دوراً رئيساً في الشيخوخة. قد تؤدي هذه الأبحاث كلها إلى تطوير أدوية قادرة على تأخير بعض آثار الشيخوخة لدى البشر وإطالة عمرهم. بانتظار ظهور تلك الحبوب السحرية، يمكن الحفاظ على الشباب لأطول فترة ممكنة عبر تبنّي أسلوب حياة سليم وناشط. رأي كريستوف دو جاغير الاختصاصي في طب الشيخوخة • ما معنى الشيخوخة؟ تعني الشيخوخة تغيّر القدرات الفيزيولوجية بدءاً من عمر العشرين. لكن لا يدرك الناس تلك التغيرات قبل عمر الخمسين، وتحديداً في مرحلة انقطاع الطمث بالنسبة إلى المرأة ومع رحيل الأولاد من منزل العائلة. تبدأ الأمراض في هذه الفترة وتترافق مع ارتفاع مستوى الكولسترول أو ضغط الدم. لكن لا يظن كثيرون أنهم يستطيعون التحرك للحد من تلك التغيرات. بين عمر الستين والسبعين، تترسّخ الأمراض. أردتُ في كتابي الجديد Longue Vie (حياة مديدة) أن أنسف هذه الرؤية التقليدية عن الشيخوخة لأن الأبحاث تثبت القدرة على التمتع بصحة جيدة لأطول فترة ممكنة. • كيف يمكن إبطاء آثار الشيخوخة؟ يجب أن نقتنع أولاً بإمكانية تحقيق هذا الهدف ونبذل الجهود اللازمة التي تبدأ بتحسين الحمية الغذائية وممارسة نشاطات جسدية منتظمة والتحكم بالضغط النفسي. يمكن تجنب الأمراض بهذه الطريقة وتأخير فقدان الاستقلالية بسنتين أو خمس سنوات أو حتى عشر سنوات! لكن يجب أن نصحّح في المقام الأول النقص في الفيتامينات والعناصر الزهيدة والهرمونات عبر إجراء فحوصات دورية. أصبح نقص الفيتامين D شائعاً اليوم مثلاً مع أن هذه الجزيئة تحمي من هشاشة العظام والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية. يمكن أن نأخذ أيضاً مضادات أكسدة طبيعية وهرمونات إضافية تحت إشراف الطبيب طبعاً. • هل أصبحنا على أبواب حقبة جديدة لا تُعتبر فيها الشيخوخة مرادفة لتدهور الصحة؟ نعم، بدأت المعايير تتغير. مثلما نستطيع إطالة عمر بعض الحيوانات بنسبة 20%، يمكن أن نتوقع أن يعيش الإنسان مستقبلاً حتى 160 عاماً. وفي المستقبل البعيد، ستزيد الوسائل التي تسمح لنا بتجديد الشباب بفضل العلاجات الجينية والطب التجديدي. لا يمكن تحويل البشر إلى روبوتات لكن يمكن إطالة حياتهم بحسب رأيي. يصطدم التقدم حتى الآن بالأفكار المحافظة لكنه يتابع مساره. تُرحّب الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان منذ الآن بهذا الشكل من التقدم!