بعض المواطنين (ما لهم حل)، وأقول ذلك لأن البعض منهم أكثر تشددا من التشدد نفسه. فمن خلال حوار أجرته جريدة «عكاظ» مع الشيخ عبدالله المنيع -عضو هيئة كبار العلماء- في عدد يوم الجمعة الماضي كانت التعليقات المصاحبة للمادة الصحفية المنشورة تشي بذلك التشدد المقيت. وأذكر حدثا قديما -منذ سنوات- وأظنه للشيخ المنيع أيضا عندما كان يجيب عن أسئلة المشاهدين في القناة الأولى تداخل أحد المواطنين ولم يكن لديه سؤال وإنما ملاحظة (تصيب المرء بالغبن والدهشة لما وصل إليه بعض الناس من تنطع)، وكانت ملاحظة ذلك المواطن عندما بادر الشيخ باللوم كون الميكرفون المعلق على الصدر يأخذ شكل الصليب بينما تعليق المجس ناقل الصوت يأخذ أشكالا مختلفة وفق الوضع الملائم الذي يجده مهندس الصوت ملائما للتسجيل. هذا التنطع غدا ميزة لدى المتشددين (من غير علم أو بعلم) وعلينا مواجهة المتنطعين لأن هذه الصفة تقود المجتمع كاملا إلى حياض المشادة والغلبة في أمور حياتية ليس بها اختراق لنص أو تشريع. أعود وأقول أن السؤالين اللذين أجاب عنهما الشيخ المنيع أولهما جواز دخول المرأة عضوا في هيئة «كبار العلماء» ، مستشهدا بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم والصحابيات رضوان الله عليهن بأنهن كن يبدين آراءهن الشرعية في الأمور العامة والخاصة، واشترط أن تكون المرأة مؤهلة ولديها من العلم والإدراك والقدرة على القول في الأمور الشرعية بما تراه. أما السؤال الثاني فقد جدد فيه الشيخ المنيع موقفه المبيح للعباءات الملونة إذا كانت ساترة، وأن تكون ساترة غير ضيقة ولا شفافة، وغير مبرزة لمفاتن المرأة وأن لا تكون «ذات تصنيع من شأنه أن يلفت النظر». كان لإجابة الشيخ عن هذين السؤالين ردود عجيبة من قبل المعلقين على المادة، ولأن التشدد هو المحرك لكل تلك التعليقات فسوف تلحظ أن المعلقين أسرفوا في وضع إشارة الإخفاق ثم تباروا في إظهار علم ناقص وطرافة ليس لها علاقة بالإجابات، وقد تركزت المداخلات على لبس العباءة وترك جوهر الحوار عن جواز عضوية المرأة في هيئة كبار العلماء أو عن دخولها إلى مجال الإفتاء أو أن تكون قاضية. كل هذه المحاور التي دار حولها الفلاسفة والفقهاء والمثقفون ووصلت في مطافها إلى نثر الآراء الفقهية بين مجيز للولاية (عندما لا تكون ولاية عامة) وبين قصر الولاية على الرجال (لأن مجموعة كبيرة من أهل العلم لا يرون أن شهادتها مقبولة في ما يتعلق بغير المال وما يقصد به المال، إضافة إلى ما يتعلق بالحدود، القصاص، والولايات على وجه العموم). أقول إن هذه المحاور لم تغرِ المعلقين لتناول أي جزء بالتعليق لا من قريب أو من بعيد، وانصبت المداخلات على إباحة لبس العباء (كما ورد في إجابة الشيخ) إذ رأى البعض منهم أن جواز لبس العباء بألوان مغايرة للسواد هو تعدٍّ وخطأ سيؤدي لكوارث في المجتمع وتحديدا في السعودية، فصاحب هذا الرأي يرى أن لبس عباءة من أي لون سوف يؤدي الى تزايد ومضاعفة التحرش الجنسي.. ولو تابعتم رأي هذا المواطن فلن تكفي كلمة متشدد لإيفائه حقه، حيث قال لو تم لبس العباءة الملونة: (سوف تكثر نسبة العونسه بسبب هذه الملابس.. مو معقول شخص بيتزوج وحدة تلبس ألوان...تصريح كارثي منك يا شيخ وسوف تحمل وزره ليوم يبعثون..أتمنى أن تتراجع..)! وأطرف تعليق، وكان من باب رفض ألوان العباءة غير السوداء حين قال المتداخل: لو تمت إجازة الألوان فسوف تكون عباءة خضراء (أهلاوية) وعباءة سوداء (اتحادية) وعباءة زرقاء (هلالية) يعني أن العباءات ستكون ممثلة لدوري عبداللطيف جميل في المولات. هذا هو الواقع بين أقوال العلماء وجهل المتنطعين.. ولايزال الطريق وعرا وطويلا.