احتفل «مقام» متحف الفن الحديث والمعاصر في لبنان بمرور ثلاث سنوات على انطلاقته. كان مدهشاً تدفق السيارات الخاصة والباصات المتخصصة بنقل المهتمين من بيروت وضواحيها الى تلة عاليتا شمال العاصمة، خصوصاً أن الحرّ كان شديداً وزحمة السير خانقة كالعادة. مع ذلك، شهدت باحة المتحف مهرجاناً متعدد الأوجه لعله فسحة تنفس حرة خارج الضغط اليومي والظروف المحتقنة، لكنه ايضاً إشارة واضحة تكشف مجدداً حاجة الناس الى فضاء راقٍ يزخر بالمضمون الفني والثقافي ويتلقى الجميع على الرحب والسعة. «انظر كيف يتنشقون الهواء النظيف ملء رئاتهم!» قال مؤسس المتحف سيزار نمور مبتسماً وهرع ليستقبل مجموعات الوافدين. وأضاف: «لم يعد دور المتاحف اليوم محصوراً في الحفظ والعرض والأرشفة. ثمة دينامية متحركة ومتنوعة تدفعنا الى المساهمة في كل ما يدفع عجلة التغيير نحو الأفضل. نقيم سوقاً للكتب المستعملة مرة كل شهر في شارع مونو، نمنح ثلاث جوائز تشكيلية سنوياً، نهيئ لتأسيس مسرح عصري ضمن فضاء المتحف، وطوال السنة تتوالى عندنا المحترفات الهادفة الى تطوير مواهب الناشئة، فتأتي المدارس بتلامذتها للتدرب على التلوين والتشكيل الحرّ وتدوير الفضلات». وما أدراك ما تدوير الفضلات! انها الوسيلة الفنية المستجدة في مجال المزج بين الحفاظ على البيئة وتدوير القمامة كعنصر تشكيلي. وفي هذا اليوم بالذات يفتتح «مقام» معرضاً لخمسة وثلاثين فناناً وفنانة أتوا بابتكاراتهم المصنوعة من خردة وحطام وبقايا أثاث وحاويات مرطبات وغيرها... ربما تبدو المسألة اقرب الى مزحة لمن لا يعرف أي حد من التنويع والابتكار والإبداع بلغ هذا الفن اذ باتت تعرض أعماله أشهر الدور في نيويورك وباريس ودخلت إنجازات بعض المبدعين في مجاله متاحف النخبة حول العالم. عظمة الكتف من ظهر ثور حولتها التشكيلية جينا نحلة باولر الى قناع لوجه كئيب، وعنها حازت الجائزة الثانية. اما لانا شرارة فلملمت حوائج من طفولتها وأسست منها بيتاً على هيكل «صوبيا» التدفئة التي جمعت العائلة حولها في ليالي الشتاء، فحازت الجائزة الثالثة، ثم وقف الجمهور في دهشة وإعجاب امام مجسم «نحتي» لراقصة باليه مصنوع كلياً من حاويات البيبسي كولا: عمل خارق بدقته وطاقة الفنانة بوليت توما عيد على استنباط الملامح الناطقة تعبيرياً من لا شيء سوى الصفيح المدوّر، وحازت عنه الجائزة الأولى. والواقع ان المعرض ضمّ عدداً من الابتكارات التركيبية المازجة بين الكهرباء والعناصر التلوينية اضافة الى الزجاج والبلاستيك والخشب والورق المــقوى، وكان على لجـــنة التحكيم المكونة من الدكتورة غيتا حوراني، والمهندس جـــوزف براخيا، والناشطة جومانا بحلق، أن تعيد النظر مرات عدة في التقويم والتفضيل قبل ان تدرك قرارها النهائي علماً ان الفائزين يحصلون على مبالغ مالية وشهادات موقعة من هيئة المتحف. بعد توزيع الجوائز دعت روزي كركري الموجودين الى الالتحاق بـ «عائلة مقام» عبر تسجيل اسمائهم والمشاركة الدائمة في نشاطات المتحف، وكانت العازفة على آلة «الهارب» كاثرين طومسون تواكب تطور الأمسية بعزف رقيق وعذب.