يَقولون الحيَاة مَدْرَسة، وهَذه مَقولة لَن أقُول لَا غُبَار عَليها، فالغُبَار تَشبيهٌ قَديم ولَّى مَع زَمَن الغُبَار، إنَّما سأقُول هَذه مَقولةٌ مُفيدة ورَشيدة وسَديدة، وإذَا كَانت الحيَاة مَدْرَسة، فالرِّجَال أيضًا مَدْرَسة..! وسأُحدِّثكم اليَوم عَن رَجُل؛ شَكَّل لِي مَدْرَسَة في التَّعامُل والتَّسَامُح، وحُسن الظّن في النَّاس، إنَّه شَيخي الفَيلسوف «عبدالرحمن المعمّر»، الذي تَعلَّمتُ مِنه التَّرفُّع عَن الصَّغَائِر، والتَّعَالِي عَلَى التَّوَافه، وإحسَان الظَّن بِمَن وَضَع نَفسه في مَوقع؛ يَحتمل إسَاءة الظَّن.. وإليكُم الأمثِلَة: يَأتي العِيد، وكُلّ النَّاس يَنتظرون منِّي الاتّصال بِهم في أوّل يَوم، لأُبارك لَهم حلُول العِيد، وأفْعَل ذَلك مَع كِبَار السّن مَخَافَة النَّقد، إلَّا مَع شَيخي «أبو بندر المعمّر»، حَيثُ أتّصل بِهِ ثَالث أيَّام العِيد، لعِلْمِي أنَّه لا يَشتكي ولا يَنتقد ولا يُعاتِب، وحِين أتّصل بِهِ أقول لَه: العُذر مِنك يَا أبَا بَندر، فأنَا مُقصِّر، فيَردُّ عَليَّ بلَهجَة كُلّها فَلسفة وفِقه وثَقافة قَائلاً: بَل أنتَ مُحلِّق، ولَستَ مُقصِّرًا..! ولنَأخذ مِثالاً آخَر، كُنَّا ذَات مَرَّة في وَليمة عَامّة، فقَام أحدُهم ودَعَانَا إلَى وَليمة في مَنزله، ولَم يَدْعُ «المعمّر» مِن ضِمن المَدعوّين، وحِين رَكبَ مَعي الشّيخ «عبدالرحمن» السيّارة، قُلتُ لَه: إنَّني عَاتبٌ عَلى الدَّاعِي، كَيف نَسَاك مِن الدّعوة يَا «أبَا بَندر»، وأنتَ مِنَّا بمَنزلة «رَأس الخَيمة» مِن الخَيمة؟! فقَال: يَا أبَا سُفيان، حَاول أن تَلتَمس العُذر للنَّاس، فأنَا مُتأكِّد أنَّه لَم يَدعني؛ لأنَّه ظَنَّ أن يَكون بَين المَوجودين مَن لا أرتَاح لَه، لذَلك تَحَاشَى إحرَاجِي..! مِثالٌ ثَالث، اتّصل عَليَّ ذَات مَرَّة شَيخي «المعمّر»، فلَم أَرُد عَليه، لأنَّني كُنتُ حِينها مَشغولاً، وفي اليَوم الثَّاني اتّصل مَرَّةً ثَانية ولَم أَرُد، لأنَّني مَازلتُ مَشغولاً، ثُمَّ اتّصل عَليَّ مَرَّةً ثَالثة ولَم أَرُد أيضًا، لأنَّني كُنتُ مَشغولاً، وفي اليَوم الرَّابِع بَادرتُ أنَا بالاتّصال عَليه، لأعتَذر، وقَبل أن أُبدي لَه عُذري واعتذَاري، قَاطعني وقَال: يَا أبَا سُفيان، لا تَعتذر، فأنَا أعلَم أنَّني في بَالك، وفي عَقلك، ولَكن شَغَلَك عَنِّي مَا يَشغل النَّاس مِن همُوم الحيَاة، ومَتَاعِب لُقْمة العَيش، حِينَها قُلتُ: مَا أعظَمَك يَا «أبَا بَندر»، نَتعلَّم مِنك ونُخطئ أمَامك، ثُمَّ تَعتذر لَنَا عَن أخطَائِنا، بَل وتَبْتَكر لَنَا الأعذَار، التي لَو فحّطنا عَشر سِنين، لم نَستَطِع أن نُجيد صيَاغتها..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: يَا قَوم، إنَّني لَم أذكُر قصّة «المعمّر» استعرَاضًا لصَداقتي مَعه، فهَذا أمرٌ يَعرفه القَاصي والدَّاني، وإنَّما ذَكرتُ القصّة مِثَالاً لنَظرية: (إيّاكي أَعْنِي واسْمَعِي يَا جَارة)، وأتمنَّى مِن الأصحَاب والأحبَاب؛ ومَا بَينهما مِن المَعارف والأقربَاء، أن يَتعلَّموا مِن «أبَي بَندر» التمَاس العُذر، فَقَد قَال أهلُ العِلْم: (خَيرُ النَّاس أعذَرهم للنَّاس)، وقَال «جعفر بن محمد»: (إذَا بَلَغَك عَن أخيِكَ الشَّيء تُنكره، فالتَمس لَه عُذرًا وَاحِدًا إلَى سَبعين عُذرًا، فإنْ أَصبته، وإلَّا، قُل لَعلَّ لَه عُذْرًا لا أعرفه)..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain