تتجدد المواجهة بين العملاقين الإسباني والإيطالي في لقاء يعد بمثابة نهائي مبكر، فيما ستكون إنجلترا مرشحة قوية لإنهاء مغامرة آيسلندا اليوم في دور الستة عشر لكأس أوروبا لكرة القدم التي تستضيفها فرنسا حتى العاشر من الشهر المقبل. على ملعب «استاد دو فرانس» بالعاصمة الفرنسية باريس يأمل فيسنتي دل بوسكي، المدير الفني للمنتخب الإسباني أن يصل إلى حلول لفك الأنظمة الدفاعية لمنافسه الإيطالي، بعد أن بات يشعر بالأرق من مواجهة منتخبات تعتمد على ثلاثة لاعبين في خط الظهر، وهو الأمر الذي ضربه بقوة في بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل حيث ودع مبكرًا بعد هزيمتين قاسيتين أمام منتخبي هولندا وتشيلي، ولا يحيد المنتخب الإيطالي عن اللعب بطريقة مماثلة اليوم. فقبل أربعة أعوام، قدم المنتخبان عروضًا رائعة وبلغا معا المباراة النهائية الذي أكد الجيل الذهبي لإسبانيا فيها تفوقه التام برباعية نظيفة. وفي البطولة الحالية، بدت معطيات المنتخبين الإسباني والإيطالي جيدة جدا بعد حسمهما التأهل من الجولة الثانية إثر فوزهما بالمباراتين الأوليين، لكنهما سقطا في الجولة الثالثة، إسبانيا أمام كرواتيا 1 - 2، وإيطاليا أمام جمهورية آيرلندا بالنتيجة ذاتها. بدأت إسبانيا البطولة بفوز صعب على تشيكيا 1 - صفر، ثم تغلبت على تركيا بسهولة 3 - صفر وحسمت تأهلها، قبل أن تخسر في المباراة الثالثة أمام كرواتيا 1 - 2. وحلت إسبانيا ثانية في المجموعة الرابعة برصيد 6 نقاط، بفارق نقطة خلف كرواتيا (خسرت أمام البرتغال صفر - 1 أول من أمس وودعت البطولة من ثمن النهائي)، مما أدى إلى اصطدامها مبكرا بإيطاليا متصدرة المجموعة الخامسة برصيد 6 نقاط أيضًا ولكن بفارق الأهداف أمام بلجيكا. والخسارة أمام كرواتيا هي الأولى لإسبانيا في 15 مباراة في البطولة. وكانت إيطاليا حققت فوزا لافتا على بلجيكا في الجولة الأولى 2 - صفر بعد أداء نال إشادة واسعة امتاز بالتنظيم والواقعية، ثم حسمت تأهلها بفوزها على السويد 1 - صفر في الجولة الثانية، قبل أن تسقط أمام جمهورية آيرلندا في الثالثة. وقال دل بوسكي: «المنتخب الإيطالي رائع من الناحية الدفاعية ولكنه يمتلك لاعبين لديهم نزعة هجومية أيضًا». ويمتلك دل بوسكي الكثير من الأسباب للقلق من مباراة اليوم، ويأتي في مقدمتها كابوس المونديال البرازيلي. وفي بداية رحلة الدفاع عن اللقب العالمي، عانى الماتادور الإسباني من خطة الدفاع المحكم التي طبقها لويس فان غال المدير الفني للمنتخب الهولندي آنذاك حيث اعتمد في الدفاع على داريل يانمات وبرونو مارتينز، ودالي بليند ورون فلار وستيفان دي فريج واستغل المنتخب الهولندي انشغال الماتادور الإسباني بمحاولات فك طلاسم هذا الدفاع وحقق الفوز الكبير 5 / 1 مستفيدا من قدراته الهجومية العالية. وبعدها، جاءت المباراة أمام تشيلي بقيادة مديره الفني السابق خورخي سامباولي الذي اعتمد على ثلاثة لاعبين في خط الدفاع وهم جاري ميديل وجونزالو خارا وفرانسيسكو سيلفا لينجح في التغلب على نظيره الإسباني 2 / صفر بنفس الطريقة. وتحدثت الصحافة ووسائل الإعلام عن «العودة للأسلوب القديم» في إشارة لنظام الاعتماد على ثلاثة مدافعين في الخط الخلفي إضافة للظهيرين وهو الأسلوب الذي شاع استخدامه في التسعينات من القرن الماضي ولكنه أصبح بعدها بمثابة بدعة زائلة. والحقيقة أن منتخبي هولندا وتشيلي لا يلجآن حاليا لاستخدام نفس أسلوب اللعب كما أن الآزوري هو الوحيد حاليا في البطولة الأوروبية الحالية الذي يطبق هذا الأسلوب من خلال الاعتماد على الثلاثي المتألق ليوناردو بونوتشي وأندريا بارزالي وجورجيو كيليني في الخط الخلفي ليصبح هذا الثلاثي سمة واضحة في أسلوب لعب إيطاليا. ولهذا، يحتاج دل بوسكي إلى توخي الحذر بشكل أكبر في ظل اللدغات التي تعرض لها فريقه سابقا أمام هذا الأسلوب الدفاعي. وقال دل بوسكي: «يمتلك المنتخب الإيطالي لاعبين متميزين في خط الوسط ومهاجمين رائعين. من المؤكد أن لديه خط دفاع متميزًا يضم ثلاثة لاعبين في الدفاع كما أن لديه دانييلي دي روسي اللاعب الراسخ في خط الوسط. ولكن لا يمكن اعتبار الآزوري فريقا دفاعيا. تغير أداء الفريق كثيرا في وسط الملعب وأصبح أداؤه مباشرا بشكل أكبر مما كان في 2012. لا أراه فريقا دفاعيا تماما رغم قوته في هذه الناحية». والآن، يحتاج دل بوسكي لدراسة وفحص الخيارات التي يحتاجها للخروج من هذا الفخ. وقد يدفع دل بوسكي باللاعب كوكي في خط الوسط إذا أراد التغلب على محاولات الآزوري الهجومية كما قد يستفيد من الدفع باللاعب لوكاس فاسكيز للمساعدة في التصدي لأي خطورة إيطالية. وبالطبع سيفكر دل بوسكي جيدا في الاستفادة من مهاجمه الشاب ألفارو موراتا ليس فقط في أداء دوره التقليدي في هز الشباك وإنما في مساعدة الفريق للتعرف على كيفية كسر حائط الدفاع الإيطالي من معرفته الرائعة بمكونات هذا الحائط الصلد. وعلى مدار الموسمين الماضيين، لعب موراتا في صفوف يوفنتوس إلى جوار الثلاثي أندريا بارزالي وليوناردو بونوتشي وجورجيو كيليني الذين يشكلون خط دفاع الآزوري إضافة لحارس المرمى المخضرم جانلويجي بوفون الذي يمثل أحد عناصر التفوق في كل من يوفنتوس وإيطاليا. ولهذا يعتبر دل بوسكي لاعبه موراتا بمثابة «الصديق الإيطالي» الذي يعرف الإجابة جيدا في مواجهة هذا الخط الحديدي في دفاع الآزوري ويمكنه مساعدة الماتادور على اجتياز هذه المواجهة الصعبة والعبور لدور الثمانية في البطولة. وترك موراتا، 23 عاما، ريال مدريد الإسباني قبل عامين متجها إلى يوفنتوس بحثا عن فرص أفضل للمشاركة في المباريات في ظل سيطرة الثلاثي المكون من البرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة والويلزي غاريث بيل، وكان قراره صائبا حيث حقق النجاح بشكل لافت في الدوري الإيطالي. وقال موراتا: «في هذين العامين، تعلمت أكثر مما تعلمت في حياتي كلها. إحراز الأهداف في إيطاليا أكثر صعوبة. إنهم خبراء في الدفاع. في إسبانيا، تصنع سبع فرص للتهديف وتنهيها بشكل جيد. في إيطاليا، يمكنك صناعة القليل من الفرص ويجب أن تسددها جميعا حتى يتسنى لك إحراز هدف». وجاءت «يورو 2016» فرصة رائعة للاعبين مثل موراتا الذي أحرز حتى الآن ثلاثة أهداف وتصدر قائمة هدافي البطولة مناصفة مع الويلزي غاريث بيل حتى الآن. أما إيطاليا التي أراحت الكثير من لاعبيها في مواجهة آيرلندا الأخيرة فسيعود مدربها كونتي من دون شك إلى التشكيلة التي بدأ بها البطولة أمام بلجيكا ونالت الثناء. وكان كونتي اشتكى من صعوبة القرعة بالنسبة إلى منتخب إيطاليا «الذي وقع في مجموعة صعبة وعليه أن يواجه إسبانيا في ثمن النهائي»، مؤكدًا في الوقت ذاته «لكن يجب أن نحترم القوانين». والغائب الوحيد من التشكيلة التي بدأت البطولة سيكون لاعب الوسط أنطونيو كاندريفا في المباراة الثانية في البطولة ضد السويد ومنذ ذلك التاريخ وهو يخضع لتدريب خاص بمفرده. ومن المتوقع أن يحل بدلا منه اليسيو فلورنزي في مركز الجناح الأيمن. (إنجلترا وآيسلندا) وفي نيس ستكون إنجلترا مرشحة قوية من حيث المنطق والإمكانات الفنية لإنهاء مغامرة آيسلندا اليوم لكن ما قدمته الأخيرة المبتدئة في البطولة يرفع من شأنها لإمكان إحداث صدمة قوية في يورو 2016. وشتان الفارق بين إمكانات كرة القدم في إنجلترا وما هي عليه في آيسلندا. فالأولى هي مهد كرة القدم، والدوري الممتاز يعتبر الأشهر والأكثر انتشارا في العالم ويجذب أهم اللاعبين نظرا لمغريات الشهرة والعروض الخيالية والمنافسات المثيرة (في حين أن الدوري الآيسلندي يتشكل معظمه من لاعبين هواة). ولم تفلح إنجلترا في تحقيق أي إنجاز قاري أو عالمي منذ فوزها بكأس العالم 1966 على أرضها. واللافت أن المنتخب الإنجليزي تحت إشراف المدرب روي هودجسون قد حقق عشرة انتصارات متتالية في التصفيات، وهو وحده الذي حصد العلامة كاملة. واصطحب هودجسون معه نجوما تألقوا بشكل لافت في الموسم المنصرم وفي مقدمتهم المهاجم جيمي فاردي الذي قاد ليستر سيتي إلى لقب الدوري الإنجليزي للمرة الأولى في تاريخه. كانت عروض منتخب إنجلترا في المباريات الثلاث الأولى في الدور الأول جيدة إلى حد ما بغض النظر عن النتائج وعدم ترجمة الكم الهائل من الفرص إلى أهداف، فكانت الأفضل أمام روسيا في المباراة الأولى قبل أن تتلقى شباكها هدفا في الثواني القاتلة 1 - 1، ثم حسمت المعركة البريطانية الصرفة مع ويلز بهدف في لحظات حرجة أيضًا 2 - 1، قبل أن تتعادل سلبا مع سلوفاكيا. وتجنب الإنجليز مواجهة أصعب في ثمن النهائي، لكن ذلك لا يمنع من القلق من الآيسلنديين. وقال هودجسون: «بقدر ما أنا قلق، بقدر ما أنا واثق في الفريق سنقوم بأفضل ما يمكننا للفوز على آيسلندا». ويواجه هودجسون ضغطا من نوع آخر أيضًا بعد أن صرح رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم غريغ دايك بأن مستقبل المدرب رهن بما يقدمه المنتخب في البطولة. ويدافع هودجسون عن نفسه، معتبرًا أن ما حققه في الأعوام الأربعة الماضية يتحدث عن ذاته. وأوضح المدرب الإنجليزي: «أنا على استعداد للمواصلة إذا كان الاتحاد الإنجليزي يريد مني ذلك، وإذا كانوا لا يريدون أن أستمر فلن أتسول للحصول على عمل». وتابع هودجسون: «أؤمن بما قمت به وتحديدا في العامين الماضيين، أثق بهذا المنتخب الذي أعمل معه وأعتقد بأنه سيواصل إظهار رغبته في تحقيق الأمور الجيدة». في المقابل حقق منتخب آيسلندا نتائج مفاجئة في الدور الأول، فانتزع التعادل من برتغال كريستيانو رونالدو 1 - 1، ثم كرر الأمر ذاته أمام المجر 1 - 1، قبل أن يصدم آيسلندا التي حققت نتائج مذهلة في التصفيات بتسجيل فوز تاريخي عليها 2 - 1. وتأتي هذه النتائج امتدادا لما كان منتخب آيسلندا حققه في التصفيات، حيث تغلب على أحد أعرق المنتخبات الأوروبية وهو المنتخب الهولندي، 2 - صفر في ريكيافيك و1 - صفر في أمستردام، وتسبب بغيابه عن النهائيات. وآيسلندا هي أحد الضيوف الجدد في نهائيات كأس أوروبا، وتشارك في أول بطولة كبيرة في تاريخها، وهي البلد الأصغر من حيث عدد السكان الذي يصل إلى النهائيات أقل من 330 ألف نسمة.