بعد أكثر من 24 ساعة على الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا، تطرح تساؤلات عن سبب ارتفاع حصيلة الضحايا في منطقة عدد سكانها قليل نسبيا، ولا تضم سوى قرى نائية. وردا على هذا السؤال، تحدث رئيس الحكومة الإيطالية عن وجود عدد كبير من السياح في هذه الفترة من السنة. وأشار إلى طابع مشترك لعدد كبير من القرى الإيطالية، وهو وجود مراكز تاريخية تعود إلى قرون: «جميلة جدا لكنها خطيرة». وقال رئيس الوزراء في تصريحات للصحافيين: «هذا يوم للدموع وغدا بوسعنا أن نتحدث عن إعادة البناء». وبدأ الإيطاليون حالة تعبئة أيضا. فقد فُتح عدد كبير من المراكز المخصصة لجمع التبرعات والملابس والمنتجات الأساسية في جميع أنحاء البلاد وخصوصا في روما. وواصل عشرات من رجال الإنقاذ البحث في أطنان من الأنقاض صباح أمس الخميس، على أمل في العثور على ناجين بعد أكثر من 24 ساعة على الزلزال القوي الذي ضرب إيطاليا، وأسفر عن سقوط 247 قتيلا على الأقل. لكن لا شيء يدل على أن هذه الحصيلة نهائية، أو حتى على وشك أن تستقر لعدم توفر عدد دقيق للمفقودين. الزلزال الذي بلغت شدته 2.6 درجة، ضرب سلسلة بلدات جبلية تقع على بعد 140 كيلومترا شرق روما، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بينما كان معظم السكان نائمين، ودمر المئات من المنازل. وقال مسؤولون إنهم يتوقعون الإعلان عن مزيد من الوفيات مع استمرار عمليات البحث. وتغادر شاحنات تنقل الركام المنطقة كل بضع دقائق. وقال سيرجو بيروزي رئيس بلدية أماتريتشي، إحدى القرى الثلاث التي دمرت كليا بفعل الزلزال، صباح أمس الخميس، إن «هناك أكثر من مائتي قتيل» في هذه القرية وحدها. لكن لم يؤكد هذا الرقم رسميا. وصرحت المسؤولة عن الحالات الطارئة في الدفاع المدني الإيطالي إيماكولاتا بوستيليوني صباح أمس للصحافيين، أن عدد الجرحى في المستشفيات بلغ 264. ولم يذكر الدفاع المدني أي رقم عن عدد المفقودين. لكن أرقاما تتراوح بين 50 على الأقل ومئات عدة، تم التداول بها نهار الأربعاء وكان من الصعب تحديد عدد دقيق الخميس بحسب الدفاع المدني. وفي فندق روما في أماتريتشي الذي كان به نزلاء في معظم غرفه الأربعين ودمر تماما، كانت السلطات تفتقر إلى معلومات. من جهته، قال رئيس فرق الدفاع المدني في أماتريتشي، لويجي دانجيلو، إن مالك هذا الفندق أكد للمنقذين أن عددا من زملائه تمكنوا من الاحتماء في بداية الزلزال. ويزداد عدد سكان هذه القرى السياحية الصغيرة خلال فصل الصيف، ما يعقد تحديد عدد الأشخاص الذين كانوا موجودين فيها لدى وقوع الزلزال. وكانت أماتريتشي تستعد للاحتفال في عطلة نهاية الأسبوع بعيد لطبقها الخاص من المعكرونة. ولتسهيل عملية البحث عن مفقودين، وجه آلياندرو بيتروتشي رئيس بلدية أركواتا ديل ترونتو، نداء للناجين الذين غادروا قريته الأكثر تضررا. وعملت فرق الإنقاذ الإيطالية طوال الليل في طقس بارد، ووسط أجواء من القلق، إذ إن درجات الحرارة متدنية في هذه المنطقة الجبلية. ووقعت عشرات الهزات الارتدادية التي شعر بها السكان ليلا، وكانت واحدة منها قوية وسببت أضرارا جديدة. ويحاول آلاف من المتطوعين والمحترفين كشف أي إشارة عن وجود أحياء. ولم تذكر بوستيليوني عثورا على ناجين محتملين خلال الساعات الماضية. لكن مسؤولا في فرق الإطفاء ذكر أنه تم العثور على آخر ناج في زلزال لاكويلا في 2009 بعد 72 ساعة. وكان رجال الإطفاء قد عثروا الأربعاء وبعد عمل شاق، على فتاة تبلغ من العمر نحو 10 سنوات حية تحت الأنقاض. كانت الطفلة جورجيا في حالة صدمة على ذراعي مسعفها الذي حملها وسط هتافات الحشد، كما كشفت لقطات بثها التلفزيون الإيطالي. في المقابل عثر على شقيقتها ميتة. وأمضى عشرات السياح والسكان الذين دمرت منازلهم ليلتهم في قرى من خيام وبعضهم في سياراتهم. وأسفر زلزال وقع في 2009 في منطقة لاكويلا غير البعيدة عن مكان الهزة الأرضية التي وقعت الأربعاء، عن سقوط 300 قتيل. لكنها كانت مدينة تضم عشرات الآلاف من السكان. ويتساءل خبراء عن عدم كفاية الإجراءات الوقائية في بلد معرض كثيرا لخطر الزلازل. وقال رئيس مجلس علماء طبقات الأرض فرنشيسكو بيدوتو: «نقول منذ سنوات إننا لا نزال بعيدين عن ثقافة الوقاية». وبعدما تفقد منطقة الزلزال، ترأس رئيس الوزراء الإيطالي بعد ظهر أمس الخميس اجتماعا للحكومة التي ستقرر إعلان حالة الطوارئ في المناطق المتضررة بالزلزال. وقال رينزي إن «عملا جادا ومتواصلا وثابتا سيجري في الأشهر المقبلة». وأضاف أن «الهدف هو البناء والانطلاق مجددا». ويأمل رئيس بلدية أركاتا ذلك، وإلا فإن قريته وقرى أخرى ستختفي بكل بساطة بعد أن سويت بالأرض. وأشرقت شمس الخميس على السكان الذين تملكهم الخوف بعد أن أمضوا ليلتهم في سيارات وخيام، بينما كانت الأرض تهتز من تحت أقدامهم بفعل مئات التوابع الزلزالية. وفي ظهر الخميس دفعت هزة أرضية قوية شدتها 3.4 درجة رجال الإنقاذ إلى الفرار، بينما تساقطت الحجارة من برج أجراس أضير بشدة في كنيسة القديس أوجستين في أماتريتشي، التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر. وكان الزلزال الأساسي من القوة بحيث شعر به سكان بولونيا في الشمال ونابولي في الجنوب، وتقع كلتا المدينتين على بعد أكثر من 220 كيلومترا من مركزه. وكثير من القتلى والمصابين مصطافون في البلدات الأربع الأشد تضررا، وهي أماتريتشي، وبيسكارا ديل ترونتو، وأركواتا ديل ترونتو، وأكومولي، حيث يرفع الزوار عدد السكان عشرة أضعاف في الصيف، وهو ما يجعل من الصعب حصر عدد القتلى.